للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كان يقول في دعائه: «اللهم إنِّي أسألُك صدقَ

التوكُّل عليك» (١)، وأنَّه كان يقول: «اللهمَّ اجعلني ممن توكَّل عليك

فكَفَيتَه» (٢).

واعلم أنَّ تحقيق التوكل لا يُنافي السَّعي في الأسباب التي قدَّر الله سبحانه

المقدورات بها، وجرت سُنَّته في خلقه بذلك، فإنَّ الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكُّل، فالسَّعيُ في الأسباب بالجوارح طاعةٌ له، والتوكُّلُ بالقلب عليه إيمانٌ به، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (٣)، وقال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (٤)، وقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} (٥).

وقال سهل التُّستَرِي: من طعن في الحركة - يعني: في السعي

والكسب - فقد طعن في السُّنة، ومن طعن في التوكل، فقد طعن في الإيمان (٦)، فالتوكل حالُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والكسب سنَّتُه، فمن عمل على حاله، فلا يتركنّ سنته.

ثم إنَّ الأعمال التي يعملها العبدُ ثلاثةُ أقسام:

أحدُها: الطاعات التي أمر الله عباده بها، وجعلها سبباً للنَّجاة مِنَ النَّار ودخولِ الجنَّة، فهذا لابُدَّ من فعله مع التوكُّل على الله فيه، والاستعانة به عليه، فإنَّه لا حولَ ولا قُوَّة إلا به، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فمن قصَّرَ في شيءٍ ممَّا وجب عليه من ذلك، استحقَّ العقوبة في الدنيا والآخرة شرعاً وقدراً. قال يوسف بنُ أسباط: كان يُقال: اعمل عمل رجل لا يُنجيه إلا عملُه، وتوكَّلْ توكُّلَ رجلٍ لا يُصيبه إلا ما كُتِبَ له (٧).

والثاني: ما أجرى الله العادة به في الدُّنيا، وأمر عباده بتعاطيه، كالأكلِ عندَ الجوعِ، والشُّرب عندَ العطشِ، والاستظلال من الحرِّ، والتدفؤ من البرد ونحو


(١) أخرجه: أبو نعيم في " حلية الأولياء " ٨/ ٢٢٤، عن الأوزاعي يرفعه،، وهو ضعيف لاعضاله.
(٢) أخرجه: ابن أبي الدنيا في " التوكل " (٤)، وذكره الديلمي في " مسند الفردوس " ١/ ٤٧٢ (١٩٢٤) من حديث أنس، وسنده ضعيف جداً.
(٣) النساء: ٧١.
(٤) الأنفال: ٦٠.
(٥) الجمعة: ١٠.
(٦) أخرجه: أبو نعيم " حلية الأولياء " ١٠/ ١٩٥، والبيهقي في " شعب الإيمان " (١٢٨٩).
(٧) أخرجه: أبو نعيم في " حلية الأولياء " ٨/ ٢٣٩ - ٢٤٠.

<<  <   >  >>