للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

رزقه الله صدق يقين وتوكل، وعَلِمَ من الله أنَّه يَخرِقُ له العوائد، ولا يُحوجه إلى الأسباب المعتادة في طلب الرزق ونحوه، جاز له تَركُ الأسباب، ولم يُنكر عليه ذلك، وحديث عمر هذا الذي نتكلم عليه يدلُّ على ذلك، ويدلُّ على أنَّ النَّاس إنَّما يُؤتون مِنْ قلَّة تحقيق التوكُّل، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم ومساكنتهم لها، فلذلك يُتعبون أنفسَهم في الأسباب، ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد، ولا يأتيهم إلاّ ما قُدِّر لهم، فلو حَقَّقوا التوكُّلَ على الله بقلوبهم، لساقَ الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سببٍ، كما يسوقُ إلى الطَّير أرزاقها بمجرَّدِ الغدوِّ والرواح، وهو نوعٌ من الطَّلب والسَّعي، لكنه سعيٌ يسيرٌ.

وربما حُرِمَ الإنسانُ رزقَهُ أو بعضَه بذنب يُصيبه، كما في حديث ثوبان، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «إنَّ العبدَ ليُحرَمُ الرِّزق بالذَّنب يُصيبه» (١).

وفي حديث جابر، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ نفساً لن تموتَ حتى تستكمل رزقها، فاتَّقوا الله وأجملوا في الطَّلب، خُذوا ما حلَّ ودعوا ما حَرُم» (٢).

وقال عمر: بين العبد وبين رِزقه حِجاب، فإن قنع ورضيت نفسه، آتاه

رزقُه، وإنِ اقتحم وهتك الحجاب، لم يزد فوقَ رزقه (٣).

وقال بعض السَّلف: توكل تُسَقْ إليك الأرزاق بلا تعب، ولا تَكَلُّف.

قال سالم بن أبي الجعد: حُدِّثْتُ أنَّ عيسى - عليه السلام - كان يقول: اعملوا للهِ ولا تعملوا لبطونكم، وإيَّاكم وفضولَ الدُّنيا، فإنَّ فضولَ الدُّنيا عند الله رجز، هذه طَيرُ السماء تغدو وتروح ليس معها من أرزاقها شيء، لا تحرث ولا تحصد الله يرزقها، فإنْ قلتُم: إنَّ بطوننا أعظم من بطون الطير، فهذه الوحوش من البقر والحمير وغيرها


(١) أخرجه: أحمد ٥/ ٢٧٧ و ٢٨٢، وابن ماجه (٤٠٢٢)، وفي إسناده مقال، وقد حسن بعضهم هذا الحديث بطرقه منهم: الحافظ العراقي كما نقله البوصيري في " مصباح الزجاجة ".
(٢) أخرجه: ابن ماجه (٢١٤٤)، وابن حبان (٣٢٣٩)، والحاكم ٢/ ٤، وهو حديث صحيح.
(٣) ذكره الديلمي في " مسند الفردوس " ٢/ ٢٦ (٢١٦٢) عن جابر بلفظ: «بين العبد وبين رزقه حجاب فإن صبر خرج إليه رزقه وإن عجل مزق عنه جلد ولا يأخذ إلا ما قدر له جلده ودينه».

<<  <   >  >>