للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويقول: توكَّلت على الله، فقال: ينبغي للناس كُلِّهم يتوكَّلون على الله، ولكن يعودون على أنفسهم بالكسب (١).

وروى الخلال بإسناده عن الفُضيل بن عياض أنَّه قيل له: لو أنَّ رجلاً قعد في بيته زعم أنَّه يثق بالله، فيأتيه برزقه، قال: إذا وثق بالله حتى يعلم منه أنَّه قد وثق به، لم يمنعه شيءٌ أراده، ولكن لم يفعل هذا الأنبياء ولا غَيرُهم، وقد كان الأنبياء يؤجرون أنفسهم، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤجِّرُ نفسه وأبو بكر وعمر، ولم يقولوا: نقعد حتى يرزقنا الله - عز وجل -، وقال الله - عز وجل -: {وَابْتَغُوْا مِنْ فَضْلِ اللهِ} (٢)، ولابُد من طلب المعيشة.

وقد رُوي عن بشر ما يُشعر بخلاف هذا، فروى أبو نعيم في " الحلية " (٣) أنَّ بشراً سُئِل عن التوكُّل، فقال: اضطرابٌ بلا سكون، وسكون بلا اضطراب، فقال له السائل: فسِّره لنا حتى نفقهَ، قال بشر: اضطراب بلا سكون، رجل يضطربُ بجوارحه، وقلبُه ساكن إلى الله، لا إلى عمله، وسكون بلا اضطراب فرجل ساكنٌ إلى الله بلا حركة، وهذا عزيزٌ، وهو من صفات الأبدالِ.

وبكل حال، فمن لم يصل إلى هذه المقامات العالية، فلابُدَّ له من معاناة الأسباب لاسيما من له عيال لا يصبرون، وقد قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «كَفى بالمرءِ إثماً أنْ يُضيِّعَ من يَقُوتُ» (٤). وكان بشرٌ يقول: لو كان لي عيالٌ لعملتُ واكتسبتُ.

وكذلك من ضيَّع بتركه الأسباب حقاً له، ولم يكن راضياً بفوات حقه، فإنَّ هذا عاجزٌ مفرِّطٌ، وفي مثل هذا جاء قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كُلٍّ خير، احرص على ما ينْفَعُك، واستعن بالله ولا


(١) انظر: فتح الباري لابن حجر ١١/ ٢٧٦.
(٢) الجمعة: ١٠.
(٣) ٨/ ٣٥١.
(٤) أخرجه: أحمد ٢/ ١٦٠ و ١٩٣ و ١٩٤ و ١٩٥، والنسائي في " الكبرى " (٩١٧٧)، وابن حبان (٤٢٤٠) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
وأخرجه: مسلم ٣/ ٧٨ (٩٩٦)، ولفظه: «كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته».

<<  <   >  >>