للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخلال: يعني: إنْ أطاق وعلم أنَّه يقوى على ذلك، ولا يسأل، ولا تَستشرفُ نفسه لأنْ يأخذَ أو يُعطى فيقبل، فهو متوكل على الصدق، وقد أجاز العلماء التوكل على الصدق. قال: وقد حجَّ أبو عبد الله وكفاه في حجته أربعة عشر درهماً.

وسئل إسحاق بن راهويه: هل للرجل أنْ يدخل المفازة بغير زاد؟ فقال: إنْ كان الرجلُ مثل عبد الله بن منير، فله أنْ يدخل المفازة بغير زاد (١)، وإلا لم يكن له أنْ يدخل، ومتى كان الرجل ضعيفاً، وخشي على نفسه أنْ لا يصبر، أو يتعرَّض للسؤال، أو أنْ يقعَ في الشَّكِّ والتسخُّط، لم يُجز له ترك الأسباب حينئذٍ، وأنكر عليه غايةَ الإنكار كما أنكر الإمامُ أحمد وغيره على من ترك الكسب وعلى من دخل المفازة بغير زادٍ، وخشي عليه التعرُّض للسؤال. وقد روي عن ابن عباس، قال: كان أهل اليمن يَحُجُّون ولا يتزوَّدون ويقولون:

نحن متوكِّلون، فيحجُّون، فيأتون مكة، فيسألون الناس، فأنزل الله هذه الآية: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (٢) (٣)، وكذا قال مجاهدٌ (٤)، وعكرمة (٥)، والنخعي (٦)، وغيرُ واحد من السَّلف (٧)، فلا يُرخَّصُ في ترك السبب بالكلية إلا لمن انقطع قلبُه عن الاستشراف إلى المخلوقين بالكُلية.

وقد رُوي عن أحمد أنَّه سُئل عن التوكُّل، فقال: قطعُ الاستشراف باليأس من الخلق، فسُئِلَ عن الحُجة في ذلك، فقال: قول إبراهيم - عليه السلام - لما عرض له جبريلُ وهو يُرمى في النار، فقال له: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك، فلا (٨).

وظاهر كلام أحمد أنَّ الكسبَ أفضلُ بكلِّ حالٍ، فإنَّه سُئِل عمَّن يقعدُ ولا يكتسِبُ


(١) ذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " ١٢/ ٣١٧.
(٢) البقرة: ١٩٧.
(٣) أخرجه: الطبري قي " تفسيره " (٢٩٦٧).
(٤) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٢٩٧٦).
(٥) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٢٩٧٠).
(٦) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٢٩٧٤).
(٧) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٢٩٧٨) عن الحسن.
(٨) ذكره: ابن مفلح في " المقصد الأرشد " ٣/ ١٢٢، ولا يخفى أنَّ هذا من الإسرائيليات، ولم يرد في المرفوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <   >  >>