للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: وذكرتُ لأبي عبد الله التوكُّل، فأجازه لمن استعملَ فيه الصِّدق (١).

قال: وسألت أبا عبد الله عن رجلٍ جلس في بيته، ويقول: أجلِسُ وأصبر ولا أُطلع على ذلك أحداً، وهو يقدِرُ أنْ يحترف، قال: لو خرَجَ فاحترفَ كان أحبَّ إليَّ، وإذا جلس خفت أنْ يُخرجه إلى أنْ يكون يتوقع أنْ يرسل إليه بشيء. قلت: فإذا كان يبعث إليه بشيءٍ، فلا يأخذ؟ قالَ: هذا جيد (٢).

وقلت لأبي عبد الله: إنَّ رجلاً بمكة قالَ: لا آكلُ شيئاً حتَّى يطعموني، ودخل في جبل أبي قبيس، فجاء إليه رجلان وهو متَّزِرٌ بخرقةٍ، فألقيا إليه قميصاً، وأخذا بيديه، فألبساه القميص، ووضعا بين يديه شيئاً، فلم يأكل حتَّى وضعا مفتاحاً من حديد في فيه، وجعلا يدُسَّان في فمه، فضحك أبو عبد الله، وجعل يعجب.

وقلت لأبي عبد الله: إنَّ رجلاً ترك البيع والشراء، وجعل على نفسه أنْ لا يقع في يده ذهبٌ ولا فضَّةٌ، وترك دُورَه لم يأمر فيها بشيءٍ وكان يمرُّ في الطريق، فإذا رأى شيئاً مطروحاً، أخذه ممّا قد أُلقي. قال المروذي: فقلت للرجل: مالك حجة

على هذا غير أبي معاوية الأسود، قال: بل أويس القرني، وكان يمرُّ بالمزابل، فيلتقط الرِّقاع، قال: فصدَّقه أبو عبد الله، وقال: قد شدَّد على نفسه. ثم قال: قد جاءني البَقْلِيُّ ونحوه، فقلت لهم: لو تعرضتُم للعمل تُشهِرون أنفسَكم، قال: وإيشٍ نُبالي من الشُّهرة؟ (٣)

وروى أحمدُ بنُ الحسين بن حسّان عن أحمد أنَّه سئل عن رجل يخرج إلى مكة بغير زادٍ، قال: إنْ كنتَ تُطيقُ وإلا فلا إلاّ بزادٍ وراحلةٍ، لا تُخاطر (٤). قال أبو بكر


(١) انظر: الفروع ٤/ ٤١.
(٢) انظر: الورع لأحمد بن حنبل: ٤٨.
(٣) انظر: الورع لأحمد: ٤٨ بنحوه مختصراً.
(٤) انظر: تفسير القرطبي ٢/ ٤١١ - ٤١٢ بلفظ قال رجل لأحمد بن حنبل: أريد أن أخرج إلى مكة على التوكل بغير زاد، فقال أحمد: أخرج في غير القافلة فقال: لا، إلا معهم، قال: فعلى جرب الناس توكلت؟
قوله: جرب جمع جراب وهو الوعاء.

<<  <   >  >>