للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو حيان في (شرح التسهيل):

" قد أكثر هذا المصنف من الاستدلال بما وقع في الاحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب , وما رأيت أحدا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره.

على أن الواضعين الأولين لعلم النحو , المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمر بن العلاء , وعيسى بن عمر , والخليل , وسيبويه من أئمة البصريين , والكسائي , والفراء , وعلي بن المبارك الأحمر , وهشام الضرير من أئمة الكوفيين _ لم يفعلوا ذلك , وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد , وأهل الأندلس.

وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء , فقال:

إنما ترك العلماء ذلك , لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم , إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية. وإنما كان ذلك لأمرين:

أحدهما: أن الرواة جوزا النقل بالمعنى , فتجد قصة واحدة جرت في زمانه صلى الله عليه وسلم لم تقل بتلك الألفاظ جميعها , نحو ما روي من قوله: "زوجتكها بما معك من القرآن " " ملكتكها بما معك" " خذها بما معك".

وغير ذلك من الألفاظ الواردة في هذه القصة، فتعلم يقينا أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ؛ بل لا تجزم بأنه قال بعضها، إذ يحتمل أنه قال لفظا مرادفا لهذه الألفاظ غيرها، فأتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه، إذ المعنى هو المطلوب ولا سيما مع تقادم السماع، وعدم ضبطه بالكتابة، والاتكال على الحفظ والضابط منهم من ضبط المعنى وأما من ضبط اللفظ فبعيد جدا، لا سيما في الأحاديث الطوال.

وقد قال سفيان الثوري: إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني؛ إنما هو المعنى.

ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم علم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى.

الأمر الثاني أنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث؛ لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب، ولا يعلمون لسان العرب لصناعة النحو، فوقع اللحن في كلامهم، وهم لا يعلمون ذلك، وقد وقع في كلامهم وروايتهم غيرُ الفصيح من لسان العرب، غير شك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أفصح الناس، فلم يكن ليتكلم إلا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها وإذا تكلم بلغة

<<  <   >  >>