"إذا استقريت أصول هذه الصناعة علمت أنها في غاية الوثاقة وإذا تأملت عللها عرفت أنها غير مدخولة ولا متسمح فيها.
وأما ما ذهب إليه غفلة العوام من أن علل النحو تكون واهية ومتمحلة واستدلالهم على ذلك بأنها أبدا تكون هي تابعة للوجود لا الوجود تابعا لها فبمعزل عن الحق
وذلك أن هذه الأوضاع والصيغ وإن كنا نستعملها فليس ذلك على سبيل الابتداء والابتداع بل على وجه الاقتداء والاتباع ولابد فيها من التوقيف فنحن إذا صادفنا الصيغ المستعملة والأوضاع بحال من الأحوال وعلمنا أنها كلها أو بعضها من وضع واضع حكيم جل وتعالى تطلبنا بها وجه الحكمة لتلك الحال من بين أخواتها فإذا حصلنا عليه فذلك غاية المطلوب "
وقال ابن جني في الخصائص:
" اعلم أن علل النحويين أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين وذلك أنهم إنما يحيلون على الحس ويحتجون فيه بثقل الحال أو خفتها على النفس وليس كذلك علل الفقه لأنها إنما هي أعلام وأمارات لوقوع الأحكام وكثير منه لا يظهر فيه وجه الحكمة كالأحكام التعبدية بخلاف النحو فإن كله أو غالبه مما تدرك علته وتظهر حكمته ".