للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدارقطني عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ذكر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشعر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح".

والمقصد: أن الشعر ليس في نفسه مذموما بل الحسن والقبح راجعان إلى المفهوم فالمفهوم إذا كان قبيحا فالمنثور والمنظوم من القول سواء ومعنى القبيح: أن يكون فيه فحش أو أذى لمسلم أو كذب والكذب الممنوع في الشعر ما كان مضرا بأمر ديني لا الكذب الذي أتي به لتحسين الشعر فقط فإنه مأذون فيه وإن استغرق الحد وتجاوز المعتاد ألا ترى قصيدة كعب بن زهير - رضي الله عنه -؟ فإنه تغزل فيها بسعاد وأتى من الإغراقات والاستعارات والتشبيهات بكل بديع لا سيما تشبيه الرضاب بالشراب في قوله:

تجلو عوارض ذا ظلم إذا ابتسمت ... كأنها منهل بالراح معلول

والنبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه وما أنكر بل صارت هذه القصيدة أحسن الوسائل إلى الشفاعة وأوثق الذرائع إلى الإغماض عن الشناعة وفازت بحسن القبول من جنابه وجازى قائلها بعطية من جلبابه ولله در أبي إسحاق الغزي حيث قال:

جحود فضيلة الشعراء غي ... وتفخيم المديح من الرشاد

محت بانت سعاد ذنوب كعب ... وأعلت كعبه في كل نادي

وما افتقر النبي إلى قصيد ... مشببة ببين من سعاد

ولكن من إسداء الأيادي ... وكان إلى المكارم خير هاد

وقد قالوا: فضل هذه القصيدة على القصائد الأخر الموشحة بمدحه - صلى الله عليه وسلم - كفضل الصحابة على التابعين ومن بعدهم هذا وقد شبه واصفه - صلى الله عليه وسلم - عنقه المقدس بجيد دمية وما أنكره أحد من السلف والخلف.

وقال القفال والصيدلاني قولا صدقا وهو: أن الشعر كذبه ليس بكذب لأن قصد الكاذب: تحقيق قوله وقصد الشاعر: تحسين كلامه فقط.

وبما حررناه ثبت جواز التخييلات الكلامية والتوسع في المضامير الأقلامية وتحقق أن الإنكار من الشعر المحمود هو بترك المستحب وأن لا تسمع لومة لائم في ما عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبار الصحابة والتابعون وأهل العلم وموضع القدوة - رضي الله عنهم.

وقد ورد النهي عن سب الشعراء روى البخاري عن عروة بن الزبير قال: ذهبت أسب حسانا عند عائشة فقالت: لا تسبه فإنه كان ينافح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

ولا شك أن من أنشأ أو أنشد الشعر المحمود فهو تلو للمنافحين حيث يريح المؤمنين بالحكم اليمانية ويدافع عنهم ما يملهم من العوارض النفسانية ويعضده ما روي عن ابن عباس: أنه كان إذا فرغ من درس التفسير والحديث يقول لتلامذته: أحمضوا ويأمرهم بالأخذ في ملح الكلام خوفا عليهم من الملال والإحماض: أصله من: الحمض وهو: ما ملح ومر من النبات ومقابله: الخلة وهو: ما كان حلوا تقول العرب: الخلة: خبز الإبل والحمض: فاكهتها لأنها إذا ملت من الخلة مالت إلى الحمض ومنه قولهم للرجل إذا جاء متهددا: أنت مختل فتحمض.

وأما قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فهو في الشعراء المشركين. ويستفاد من الآية: أن علة

<<  <   >  >>