مضمون الجار والمجرور مبتدأ على معنى: وبعض الناس أو بعض منهم من اتصف بما ذكر فيكون مناط الفائدة تلك الأوصاف ولا استبعاد في وقوع الظرف بتأويل معناه مبتدأ. انتهى كلامه.
وروى ابن ماجة: الكلمة الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها وقال صاحب كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجة: قوله: ضالة المؤمن أي: مطلوبة له أشد ما يتصور من الطلب فاللائق بحال المؤمن أن يطلبها كما يطلب المرء ضالته فهذا الكلام بطريق الإرشاد والتعليم لا الإخبار إذ كم من مؤمن ليس له طلب أصلا؟ أو بطريق الإخبار بحمل المؤمن على الكامل قوله: حيثما وجدها أي: ينبغي أن يكون نظر المؤمن إلى المقول لا القائل وهذا كما قيل: انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال. انتهى.
والكلمة الحكمة: شاملة للنظم والنثر لعموم اللفظ ويؤيد الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من الشعر حكمة" ومن العجائب أن الكلمة تطلق على القصيدة كما قال الجوهري وغيره وإذا تمهد هذا فأقول: لو قطع النظر عن المبالغة في الحديث وأخذ أصل المعنى أعني: بعض الشعر حكمة يحصل من انضمامه بالحديث الثاني الشكل الأول من الأشكال المنطقية أعني: بعض الشعر كلمة والكلمة الحكمة ضالة المؤمن فبعض الشعر ضالة المؤمن وإنما زدت لفظ الكلمة في الصغرى لأن الشعر حكمة قولية.
وقد ثبت بهذه النتيجة الصحيحة: طلب النتائج من الشعراء التي تكون موافقة بالشريعة الغراء والدليل القاطع والبرهان الساطع على إثبات النتيجة ما رواه مسلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فقال:"هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء"؟ قلت: نعم قال: هيه فأنشدته بيتا فقال: هيه ثم أنشدته بيتا فقال: هيه حتى أنشدته مائة بيت ويستفاد من هذا الحديث: طلب الشعر المحمود الذي هو نتيجة الشكل واستحباب الزيادة في الطلب واستحباب الإنشاد واستحباب الطلب حيثما وجد فإن أمية بن أبي الصلت مات كافرا وقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيه:"آمن لسانه وكفر قلبه"
وتحقق من هاهنا أن من طلب الشعر المحمود أتى بالعمل المستحب ومن أنكر تركه
كيف لا؟ وقد روى الترمذي عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي حرم الله تقول شعرا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خل عنه يا عمر فهي أسرع فيهم من نضح النبل" وروى البخاري عن سعيد بن المسيب قال: مر عمر في المسجد وحسان ينشد فأنكر عليه عمر فقال: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"أجب عني اللهم أيده بروح القدس"؟ قال: نعم وفيه منع الإنكار عن الشعر وجواز الإنشاد في المسجد قال القسطلاني: هذه المقالة منه - صلى الله عليه وسلم - دالة على: أن للشعر حقا يتأهل صاحبه لأن يؤيد في النطق به بجبرائيل - عليه السلام - وما هذا شأنه يجوز قوله في المسجد قطعا.
وروي عن ابن سيرين أنه أنشد شعرا فقال له بعض جلسائه: مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر؟ فقال: ويلك يا لكع وهل الشعر إلا كلام لا يخالف سائر الكلام إلا في القوافي؟ فحسنه حسن وقبيحه قبيح. وروى