بالقياس والنظر في الطالع وما يدرك بالدليل لا يكون غيبا على أنه مجرد الظن والظن غير العلم.
وفي الكشف: مقالات المنجمة على طريقتين: من الناس من يكذبهم واستدل عليه بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} وبقوله - عليه الصلاة والسلام -: "من أتى كاهنا أو عريفا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد" ومنهم: من قال بالتفصيل فإن المنجم لا يخلو من أن يقول: إن هذه الكواكب مخلوقات أو غير مخلوقات الثاني: كفر صريح وأما الأول: فإما أن يقول: إنها فاعلات مختارات بنفسها فذلك أيضا: كفر صريح وإن قال: إنها مخلوقات مسخرات أدلة على بعض الأشياء ولها أثر بخلق الله تعالى فيها: كالنور والنار ونحوهما وأنهم استخرجوا ذلك بالحساب فذلك لا يكون غيبا لأن الغيب ما لا يدل عليه بالحساب وأما الآية والحديث: فهما محمولان على علم الغيب وهذا ليس بغيب وأما المنطق: فقد ذكر ابن حجر المكي في شرح الأربعين للنووي: أن من آلات العلم الشرعي من: فقه وحديث وتفسير: المنطق الذي بأيدي الناس اليوم فإنه علم مفيد لا محذور فيه بوجه إنما المحذور فيما كان يخلط به شيء من الفلسفيات المنابذة للشرائع ولأنه كالعلوم العربية في أنه: من مواد أصول الفقه ولأن الحكم الشرعي لا بد من تصوره والتصديق بأحواله إثباتا ونفيا والمنطق: هو المرصد لبيان أحكام التصور والتصديق فوجب كونه علما شرعيا إذ هو ما صدر عن الشرع أو توقف عليه العلم الصادر عن الشرع توقف وجود: كعلم الكلام أو توقف كمال: كعلم العربية والمنطق ولذا قال الغزالي: لا ثقة بفقه من لا يتمنطق أي: من لا قواعد المنطق مركوزة بالطبع فيه كالمجتهدين في العصر الأول أو بالتعلم وممن أثنى على المنطق: الفخر الرازي والآمدي وابن الحاجب وشراح كتابه وغيرهم من الأئمة والقول بتحريمه: محمول على ما كان مخلوطا بالفلسفة. انتهى كلام كشاف اصطلاحات الفنون مع تصرف فيه ببعض الزيادة وسيأتي حكم علم المنطق وما هو الحق فيه تحت علم الميزان من باب الميم في القسم الثاني من هذا الكتاب وكذا حكم علم الكلام: ذكرته في كتابي قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل
وللسيد الإمام المجتهد: محمد بن إبراهيم الوزير اليماني - رحمه الله - كتب ورسائل مستقلة في هذا الباب منها: كتابه المسمى: بالروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم فإن شئت الزيادة فعليك بها وأما ما ذكره صاحب كشاف الاصطلاحات في هذا المقام من حكم العلوم - كما تقدم آنفا - فما هو إلا أقوال أهل العلم المحضة وآراؤهم الساذجة التي لا إثارة عليها من علم وهذه الحكايات والمقالات مثلها كثير الوجود في كتب الفقهاء ولكن من لا يتبع إلا ما قرره الدليل لا يقبل ذلك أبد الآبدين ولا يتوجه إلى تلك الأقوال الخالية عن الاستناد إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة التي لا علم غيرهما أو ما كان له دخل في فهمهما وكان كالآلات لهما وقد ذكرنا في هذا الكتاب تحت بعض العلوم حكمه فارجع إليه يتضح لك ما هو الحق في المسألة وليس هذا الكتاب مما ينبغي فيه ذكر المسائل والأدلة عليها على وجه التفصيل فإنه مدونة في دواوين الإسلام وكتب الأئمة وقد قضوا منها الوطر وميزوا فيها الحق عن الباطل والخطأ من الصواب.