الصادقة عليها ذاتية كانت أو عرضية وبحثوا عن أحوالها من حيث انطباقها عليها ليفيد علمها بوجه كلي علما باقيا أبد الدهر ولما كان أحوالها متكثرة وضبطها منتشرة مختلطة متعسرا اعتبروا الأحوال الذاتية لمفهوم مفهوم وجعلوها علما منفردا بالتدوين وسموا ذلك المفهوم موضوعا لذلك العلم لأن موضوعات مسائله راجعة إليه فصارت كل طائفة من الأحوال المتشاركة في موضوع علما منفردا ممتازا في نفسه عن طائفة أخرى متشاركة في موضوع آخر فجاءت علومهم متمايزة في أنفسها بموضوعاتها وهذا أمر استحساني إذ لا مانع عقلا من أن يعد كل مسألة علما برأسه ويفرد بالتعليم ولا من أن تعد مسائل كثيرة غير متشاركة في موضوع واحد علما واحدا ويفرد بالتدوين فالامتياز الحاصل للطالب بالموضوع إنما هو للمعلومات بالأصالة وللعلوم بالتبع والحاصل بالتعريف. على عكس ذلك إن كان تعريفا للعلم وإن كان تعريفا للمعلوم فالفرق أنه قد لا يلاحظ الموضوع ثم إنهم عمموا الأحوال الذاتية وفسروها بما يكون محمولا على ذلك المفهوم إما لذاته أو لجزئه الأعم أو المساوي فإن له اختصاصا بالشيء من حيث كونه من أحوال مقومه أو للخارج المساوي له سواء كان شاملا لجميع أفراد ذلك المفهوم على الإطلاق أو مع مقابله مقابلة التضاد أو العدم والملكة دون مقابلة السلب والإيجاب إذ المتقابلان تقابل السلب والإيجاب لا اختصاص لهما بمفهوم دون مفهوم ضبطا للانتشار بقدر الإمكان فأثبتوا الأحوال الشاملة على الإطلاق لنفس الموضوع والشاملة مع مقابلتها لأنواعه واللاحقة للخارج المساوي لعرضه الذاتي. ثم إن تلك الأعراض الذاتية لها عوارض ذاتية شاملة لها على الإطلاق أو على التقابل فأثبتوا العوارض الشاملة على الإطلاق لنفس الأعراض الذاتية والشاملة على التقابل لأنواع تلك الأعراض وكذلك عوارض تلك العوارض وهذه العوارض في الحقيقة قيود للأعراض المثبتة للموضوع ولأنواعه إلا أنها لكثرة مباحثها جعلت محمولات على الأعراض. وهذا تفصيل ما قالوا: معنى البحث عن الأعراض الذاتية أن تثبت تلك الأعراض لنفس الموضوع أو لأنواعه أو لأعراضه الذاتية أو لأنواعها أو لأغراض أنواعها وبهذا يندفع ما قيل: إنه ما من علم إلا ويبحث فيه عن الأحوال المختصة بالمعادن والنباتات والحيوانات وذلك لأن المبحوث عنه في العلم الطبيعي أن الجسم ما ذو طبيعة أو ذو نفس آلي أو غير آلي وهي من عوارضه الذاتية والبحث عن الأحوال المختصة بالعناصر وبالمركبات التامة وغير التامة كلها تفصيل لهذه العوارض وقيود لها. ولاستصعاب هذا الإشكال قيل: المراد بالبحث عن الأعراض الذاتية حملها على موضوع العلم كقول صاحب علم أصول الفقه: الكتاب يثبت الحكم قطعا أو على أنواعه كقوله: الأمر يفيد الوجوب. أو على أعراضه الذاتية كقوله: يفيد القطع. أو على أنواع أعراضه الذاتية كقوله: العام الذي خص منه يفيد الظن.
وقيل: معنى قولهم يبحث فيه عن عوارضه الذاتية أنه يرجع البحث فيه إليها بأن يثبت أعراضه الذاتية له أو يثبت لنوعه ما هو عرض ذاتي لذلك النوع أو لعرضه الذاتي ما هو عرض ذاتي لذلك العرض أو يثبت لنوع العرضي الذاتي ما هو عرض ذاتي لذلك النوع. ولا يخفى عليك أنه يلزم دخول العلم الجزئي في العلم الكلي كعلم الكرة المتحركة في علم الكرة وعلم الكرة في العلم الطبيعي لأنه يبحث فيها عن العوارض الذاتية لنوع الكرة أو الجسم الطبيعي أو لعرضه الذاتي أو لنوع عرضه الذاتي.