ثم اعلم أن هذا الذي ذكر من تفسير الأحوال الذاتية إنما هو على رأي المتأخرين الذاهبين إلى أن اللاحق للشيء بواسطة جزئه الأعم من أعراضه الذاتية المبحوث عنها في العلم فإنهم ذكروا أن العرض هو المحمول على الشيء الخارج عنه وأن العرض الذاتي هو الخارج المحمول الذي يلحق الشيء لذاته بأن يكون منتهاه الذات كلحوق إدراك الأمور الغريبة للإنسان بالقوة أو يلحقه بواسطة جزئه الأعم كلحوق التحيز له لكونه جسما أو المساوي كلحوق التكلم له لكونه ناطقا أو يلحقه بواسطة أمر خارج مساو كلحوق التعجب له لإدراكه الأمور المستغربة
وأما ما يلحق الشيء بواسطة أمر خارج أخص أو أعم مطلقا أو من وجه أو بواسطة أمر مبائن فلا يسمى عرضا ذاتيا بل عرضا غريبا.
والتفصيل أن العوارض ستة لأن ما يعرض الشيء إما أن يكون عروضه لذاته أو لجزئه أو لأمر خارج عنه سواء كان مساويا له أو أعم منه أو أخص أو مبائنا فالثلاثة الأول تسمى أعراضا ذاتية لاستنادها إلى ذات المعروض أي لنسبتها إلى الذات نسبة قوية وهي كونها لاحقة بلا واسطة أو بواسطة لها خصوصية بالتقديم أو بالمساواة والبواقي تسمى أعراضا غريبة لعدم انتسابها إلى الذات نسبة قوية. وأما المتقدمون فقد ذهبوا إلى أن اللاحق بواسطة الجزء الأعم من الأعراض الغريبة التي لا يبحث عنها في ذلك العلم وعرفوا العرض الذاتي بالخارج المحمول الذي يلحق الشيء لذاته أو لما يساويه سواء كان جزءا لها أو خارجا عنها
قيل: هذا هو الأولى إذ الأعراض اللاحقة بواسطة الجزء الأعم تعم الموضوع وغيره فلا تكون آثارا مطلوبة له لأنها هي الأعراض المعينة المخصوصة التي تعرضه بسبب استعداده المختص ثم في عد العارض بواسطة المباين مطلقا من الأعراض الغريبة نظرا إذ قد يبحث في العام الذي موضوعه الجسم الطبيعي عن الألوان مع كونها عارضة له بواسطة مبانيه وهو السطح
وتحقيقه أن المقصود في كل علم مدون بيان أحوال موضوعه أعني أحواله التي توجد فيه ولا توجد في غيره ولا يكون وجودها فيه بتوسط نوع مندرج تحته فإن ما يوجد في غيره لا يكون من أحواله حقيقة بل هو من أحوال ما هو أعم منه والذي يوجد فيه فقط لكنه لا يستعد لعروضه ما لم يصر نوعا مخصوصا من أنواعه كان من أحوال ذلك النوع حقيقة. فحق هاتين الحالين أن يبحث عنهما في علمين موضوعهما ذلك الأعم والأخص وهذا أمر استحساني كما لا يخفى.
ثم الأحوال الثابتة للموضوع على الوجه المذكور على قسمين: أحدهما: ما هو عارض له وليس عارضا لغيره إلا بتوسطه وهو العرض الأولي وثانيهما: ما هو عارض لشيء آخر وله تعلق بذلك الموضوع بحيث يقتضي عروضه له بتوسط ذلك الآخر الذي يجب أن لا يوجد في غير الموضوع سواء كان داخلا فيه أو خارجا عنه إما مساويا له في الصدق أو مباينا له فيه ومساويا في الوجود فالصواب أن يكتفي في الخارج بمطلق المساواة سواء كانت في الصدق أو في الوجود فإن المباين إذا قام بالموضوع مساويا له في الوجود ووجد له عارض قد عرض له حقيقة لكنه يوصف به الموضوع كان ذلك العارض من الأحوال المطلوبة في ذلك العلم لكونها ثابتة للموضوع على الوجه المذكور.
واعلم أيضا أن المطلوب في العلم بيان إنية تلك الأحوال أي: ثبوتها للموضوع سواء علم لميتها أي علة ثبوتها له أو لا.