كان أئمة القراء بحضرته فكان سهمه في ذلك وافرا واختص مجاهد بعد ذلك بإمارة دانية والجزائر الشرقية فنفقت بها سوق القراء خصوصا فظهر لعهده أبو عمرو الداني وبلغ الغاية فيها وعول الناس عليها وعدلوا عن غيرها واعتمدوا من بينها كتاب التيسير له.
ثم ظهر بعد ذلك فيما يليه من العصور والأجيال أبو القاسم ابن فيرة من أهل شاطبة فعمد إلى تهذيب ما دونه أبو عمرو وتلخيصه فنظم ذلك كله في قصيدة لغز فيها أسماء القراء بحروف اب ج د ترتيبا أحكمه ليتيسر عليه ما قصده من الاختصار وليكون أسهل للحفظ الأجل نظمها فاستوعب فيها الفن استيعابا حسنا وعنى الناس بحفظها وتلقينها للولدان المتعلمين وجرى العمل على ذلك في أمصار المغرب والأندلس وربما أضيف إلى فن القراءات فن الرسم أيضا وهي أوضاع حروف القرآن في المصحف ورسومه الخطية لأن فيه حروفا كثيرة وقع رسمها على غير المعروف من قياس الخط كزيادة الياء في بأييد وزيادة الألف في لا أذبحنه ولا أوضعوا والواو في جزاؤ الظلمين وحذف الألفات في مواضع دون أخرى وما رسم فيه من التاءات ممدودا والأصل فيه مربوط على شكل الهاء وغير ذلك.
وقد مر تعليل هذا الرسم المصحفي عند الكلام في الخط فلما جاءت هذه المخالفة لأوضاع الخط وقانونه احتيج إلى حصرها فكتب الناس فيها أيضا عند كتبهم في العلوم وانتهت بالمغرب إلى أبي عمرو الداني المذكور فكتب فيها كتاب من أشهرها كتاب المقنع وأخذ به الناس وعولوا فيه ونظمه أبو القاسم الشاطبي في قصيدته المشهورة على روي الراء وولع الناس بحفظها.
ثم كثر الخلاف في الرسم في كلمات وحروف أخرى ذكرها أبو داود سليمان بن نجاح من موالي مجاهد في كتبه وهو من تلاميذ أبي عمرو الداني والمشتهر بحمل علومه ورواية كتبه.
ثم نقل بعده خلاف آخر فنظم الخراز من المتأخرين بالمغرب أرجوزة أخرى زاد فيها على المقنع خلافا كثيرا وعزاه لناقليه واشتهرت بالمغرب واقتصر الناس على حفظها وهجروا بها كتب أبي داود وأبي عمرو والشاطبي في الرسم والله أعلم.
علم القرانات
قال صاحب مفتاح السعادة: اعلم أن القرآن هو اجتماع كوكبين أو أكثر الكواكب السبعة السيارة في درجة واحدة من برج واحد ويبحث في هذا العلم عن الأحكام الجارية في هذا العالم بسبب قران السبعة كلها أو بعضها في درجة واحدة من برج معين انتهى.
قال في مدينة العلوم: وزعموا أن لقرانات الكواكب كلها أو بعضها آثارا في عالم الكون والفساد كحدوث طوفان عظيم مثل: طوفان نوح عليه السلام أو تبدل ملة: كبعثة الأنبياء أو تبدل دولة: كغلبة الاسكندر وجنكيز خان وتيمور وأمثال ذلك.
وزعموا أن منها ما يكون في كل عشرين سنة ومنها ما يكون في كل مائتين وأربعين سنة ومنها ما يكون في كل سبعمائة وستين سنة ومنها ما يكون في ثلاثة آلاف سنة وثمانية وأربعين سنة مرة.
ومنها: ما يكون في كل سبعة آلاف سنة مرة. والله أعلم بحقيقة الحال. فيبحث في هذا العلم عن