للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العرب. ويدعو إلى تقديمه وتعليم العربية في التعليم ضرورة فساد اللغة ثم ينتقل منه إلى الحساب فيتمرن فيه حتى يرى القوانين ثم ينتقل إلى درس القرآن فإنه يتيسر عليه بهذه المقدمة ثم قال: ويا غفلة أهل بلادنا في أن يؤخذ الصبي بكتاب الله في أول أمره يقرأ مالا يفهم وينصب في أمر غيره أهم عليه قال: ثم ينظر في أصول الدين ثم أصول الفقه ثم الجدل ثم الحديث وعلومه ونهى مع ذلك أن يخلط في التعليم علمان إلا أن يكون المتعلم قابلا لذلك بجوده الفهم والنشاط.

هذا ما أشار إليه القاضي أبو بكر رحمه الله وهو لعمري مذهب حسن إلا أن العوائد لا تساعد عليه وهي أملك بالأحوال ووجه ما اختصت به العوائد من تقدم دراسة القرآن إيثارا للتبرك والثواب وخشية ما يعرض للولد في جنون الصبا من الآفات والقواطع عن العلم فيفوته القرآن فإنه ما دام في الحجر منقاد للحكم فإذا تجاوز البلوغ وانحل من ربقة القهر فربما عصفت به رياح الشبيبة فألقته بساحل البطالة فيغتنمون في زمان الحجر وربقه الحكم تحصيل القرآن لئلا يذهب خلوا منه ولو حصل اليقين باستمراره في طلب العلم وقبوله التعليم لكان هذا المذهب الذي ذكره القاضي أولى مما أخذ به أهل المغرب والمشرق ولكن الله تعالى يحكم ما يشار لا معقب لحكمه١. وهو أحكم الحاكمين.

الإعلام السادس: في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم ٢

وذلك أن إرهاف الحد في التعليم مضر بالمتعلم سيما في أصاغر الولد لأنه من سوء الملكة

ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى لكسل وحمله على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمرن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس عاد في أسفل السافلين وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف

واعتبره في كل من يملك أمره عليه ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به وتجد ذلك فيهم استقراء وانظره في اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السوء حتى إنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالحرج ومعناه في الاصطلاح المشهور: التخابث والكيد وسببه ما قلناه

فينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده أن لا يستبدوا عليهم في التأديب.

وقد قال محمد بن أبي زيد في كتابه الذي ألفه في حكم المعلمين والمتعلمين: لا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئا ومن كلام عمر رضي الله عنه: من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله حرصا على صون النفوس عن مذلة التأديب وعلما


١ آخر كلام ابن خلدون في صفحة ١٣٦٣.
٢ الفصل في مقدمة ابن خلدون صفحة ١٣٦٣-١٣٦٤.

<<  <   >  >>