والثاني: وثاقة الدليل وقوته وذلك: كعلم الدين وعلم الطب.
التاسعة: أن يكون قصد المتعلم في الحال تخلية باطنه وتحميله بالفضيلة
وفي الحال القرب من الله سبحانه والترقي إلى جوار الملأ العلى من الملائكة والمقربين
ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومجاراة السفهاء ومباهاة الأقران. وإذا كان هذا مقصده - طلب لا محالة - الأقرب إلى مقصوده وهو علم الآخرة ومع هذا فلا ينبغي أن ينظر بعين الحقارة إلى سائر العلوم كالنحو واللغة المتعلقين بالكتاب والسنة وغير ذلك.
العاشرة: أن يعلم نسبة العلوم إلى المقصد كما يؤثر القريب الرفيع على البعيد الوضيع والمهم على غيره ومعنى المهم ما يهمك ولا يهمك إلا شأنك في الدنيا والآخرة وإذا لم يمكنك الجمع بين ملاذ الدنيا ونعيم الآخرة كما نطق به القرآن وشهد له نور البصائر ما يجري مجرى العيان فالأهم ما يبقى أبد الآباد وعند ذلك تصير الدنيا منزلا والبدن مركبا والأعمال سعيا إلى المقصد ولا مقصد إلا لقاء الله تعالى ففيه النعيم كله وإن كان لا يعرف في هذا العالم قدره إلا الأقلون.
وأما: وظائف المعلم المرشد
فالأولى: الشفقة على المتعلمين وأن يجريهم مجرى بنيه
ولذلك صار حق المعلم أعظم من حق الوالدين. ولولا المعلم لانساق ما حصل من جهة الأب إلى الهلاك الدائم وإنما المعلم هو المفيد للحياة الأخروية الدائمة كما أن الوالد سبب الوجود الحاضر الفاني والمراد معلم علوم الآخرة أو علوم الدنيا على قصد الآخرة لا على قصد الدنيا. فأما التعليم على قصد الدنيا فهو هلاك وإهلاكه نعوذ بالله منه.
الثانية: أن يقتدي بصاحب الشرع فلا يطلب على إفادة العلم أجرا ولا يقصد به جزاء ولا شكرا بل يعلم لوجه الله تعالى وطلبا للتقرب إليه ولا يرى لنفسه منة عليهم وإن كانت المنة لازمة لهم بل يرى الفضل لهم وثوابه في التعليم أكثر من ثواب المتعلم عند الله تعالى ولولا التعلم ما ثبت هذا الثواب فلا يطلب الأجر إلا من الله تعالى.
الثالثة: أن لا يدع من نصح المتعلم شيئا وذلك بأن يمنعه من التصدي لرتبة قبل استحقاقها والتشاغل بعلم خفي قبل الفراغ من الجلي ثم ينبهه على أن يطلب العلوم للقرب إلى الله دون الرئاسة والمباهاة والمنافسة ويقدم تقبيح ذلك في نفسه بأقصى ما يمكن فليس ما يصلحه العالم الفاجر بأكثر مما يفسده. فإن علم من باطنه أنه لا يطلب العلم إلا للدنيا نظر إلى العلم الذي يطلبه فإن كان هو علم الخلاف في الفقه والجدل في الكلام والفتاوى في الخصومات والأحكام فيمنعه من ذلك فإن هذه العلوم ليست من علوم الآخرة ولا من العلوم التي قيل فيها: تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون الله وإنما ذلك علم التفسير وعلم الحديث وما كان الأولون يشتغلون به من علم الآخرة ومعرفة أخلاق النفس وكيفية تهذيبها فإذا تعلم الطالب وقصده الدنيا فلا بأس أن يتركه.
الرابعة: وهي من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ فإن التصريح بهتك حجاب الهيبة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ويهيج الحرص على الإصرار.