للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخامسة: أن المتكفل ببعض العلوم ينبغي ألا يقبح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه كمعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه ومعلم الفقه عادته تقبيح علم الحديث والتفسير ذلك نقل محض وسماع بحت وهو شأن العجائز ولا نظر للعقل فيه ومعلم الكلام ينفر عن الفقه ويقول: ذلك فروع وهو كلام في حيض النسوان فأين ذلك من الكلام في صفة الرحمن فهذه أخلاق مذمومة للمعلمين ينبغي أن تجتنب بل المتكفل بعلم واحد ينبغي أن يوسع على المتعلم طريق التعليم في غيره وإن كان متكفلا بعلوم فينبغي أن يراعي التدريج في ترقية المتعلم من رتبة إلى رتبة.

السادسة: أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه ولا يلقي إليه مالا يبلغه عقله فينفره أو يخبط عليه عقله كما قيل: كلموا الناس على قدر عقولهم وأشار علي عليه السلام إلى صدره إن ههنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة.

السابعة: أن المتعلم القاصر ينبغي أن يلقي إليه الجلي اللائق به ولا يذكر له أن وراء هذا تدقيقا وهو يدخره عنه فإن ذلك يفتر رغبته في الجلي ويشوش عليه قلبه ويوهم إليه البخل به عنه إذ يظن كل أحد أنه أهل لكل علم دقيق فما من أحد إلا وهو راض عن الله سبحانه في كمال عقله وأشدهم حماقة وأضعفهم عقلا هو أفرحهم بكمال عقله.

الثامنة: أن يكون المعلم عاملا بعلمه فلا يكذب قوله فعله فإن العلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار وأرباب الأبصار أكثر فإذا خالف العمل العلم منع الرشد وكل من تناول شيئا وقال للناس: لا تتناولوه فإنه سم مهلك سخر الناس به واتهموه وزاد حرصهم عليه فيقولون: لولا أنه أطيب الأشياء وألذها لما كان يستأثر به.

هذا خلاصة ما في الإحياء وقد أطال في تقرير كل أدب ووظيفة من هذه الآداب والوظائف إطالة حسنة. وعقد الباب السادس من كتاب العلم في آفات العلم وبيان علامات علماء الآخرة والعلماء السوء. والله تعالى أعلم بالصواب.

وللشيخ العالم برهان الإسلام الزرنوجي١ تلميذ صاحب الهداية٢ كتاب سماه تعليم المتعلم طريق التعلم وجعله فصولا قال فيه: إنه لا يفترض على كل مسلم طلب كل علم وإنما يفترض عليه طلب علم الحال أي علم ما يقع له في حاله من الصلاة والزكاة والصوم والحج. ولا بد له من النية في زمان تعلم العلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" وينوي بطلب العلم رضاء الله تعالى والدار الآخرة وإزالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجهال وإحياء الدين وإبقاء الإسلام فإن بقاء الإسلام بالعلم ولا يصح الزهد والتقوى مع الجهل. ولا ينوي به إقبال الناس إليه ولا استجلاب حطام الدنيا والكرامة عند السلطان وغيره. ولا يذل نفسه بالطمع ويتحرز عما فيه مذلة العلم وأهله. ويختار من كل علم أحسنه ويقدم علم


١ هو برهان الدين الزرنوجي صاحب كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم المشهور، وقد كان حياً في سنة ٥٩٣هـ =١١٩٦م.
٢ هو كتاب الهداية في فروع الفقة الحنفي. جعله شرحاً لكتاب البداية له. وصاحب الهداية هو برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي المتوفى سنة ٥٩٣هـ = ١١٩٦م.

<<  <   >  >>