للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوحيد والمعرفة وإن كان إيمان المقلد صحيحا ويختار العتيق دون المحدثات ولا يشتغل بهذا الجدل الذي ظهر بعد انقراض الأكابر من العلماء. وأما اختيار الأستاذ فيختار الأعلم والأورع والأسن والمشاورة في طلب العلم أهم وأوجب. وينبغي أن يثبت ويصبر على أستاذ وعلى كتاب حتى لا يتركه أبتر وعلى فن حتى لا يشتغل بفن آخر قبل أن يتقن الأول وعلى بلد حتى لا ينتقل إلى بلد آخر من غير ضرورة ولا ينال ولا ينتفع به إلا بتعظيم العلم وأهله وتعظيم الأستاذ وتوقيره ولا بد لطالب العلم من الجد والمواظبة والملازمة وإليه الإشارة في القرآن الكريم {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} و {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} قيل: اتخذ الليل جملا تدرك به أملا ويواظب على الدرس والتكرار في أول الليل وآخره فإن ما بين العشاءين ووقت السحر وقت مبارك والكسل من قلة التأمل في مناقب العلم وفضائله والعلم النافع يحصل به حسن الذكر ويبقى ذلك بعد وفاته فإنه حياة أبدية. ويوقف بداية السبق على يوم الأربعاء وهكذا كان فعل أبو حنيفة - رحمه الله - بل كان الشيخ أبو يوسف الهمداني يوقف كل عمل من أعمال الخير على يوم الأربعاء وهذا لأنه يوم خلق فيه النور وهو يوم نحس في حق الكفار فيكون مباركا للمؤمنين. وينبغي أن يكون قدر السبق للمبتدئ قدر ما يمكن ضبطه بالإعادة مرتين بالرفق ويزيد كل يوم كلمة وقد قيل: السبق حرف والتكرار ألف. قال الأستاذ شرف الدين العقيلي: الصواب عندي في هذا ما فعله مشائخنا وإنهم كانوا يختارون للمبتدئ صغارات المبسوط لأنه أقرب إلى الفهم والضبط وأبعد عن الملالة وأكثر وقوعا بين الناس قيل: حفظ حرفين خير من سماع وقرين١ وفهم حرفين خير من حفظ وقرين. فينبغي أن لا يتهاون في الفهم.

ولا بد من المذاكرة والمناظرة والمطارحة لكن بالإنصاف والتأني والتأمل دون الشغب والغضب وهي أقوى من فائدة مجرد التكرار. قيل: مطارحة ساعة خير من تكرار شهر.

ويشتري بالمال الكتب ويستكتب فيكون عونا على التعلم والتفقه وينبغي أن لا يكون لطالب العلم فترة فإنها آفة ويتوكل في طلب العلم ولا يهتم لأمر الرزق ولا يشغل قلبه بذلك.

ووقت التعلم من المهد إلى اللحد دخل حسن بن زياد٢ في التفقه وهو ابن ثمانين سنة

وأفضل الأوقات شرخ الشباب ووقت السحر وما بين العشاءين. وينبغي أن يستغرق جميع أوقاته فإذا مل من علم يشتغل بعلم آخر. كان ابن عباس إذا مل من علم الكلام قال: هاتوا ديوان الشعر ويكون مستفيدا في كل وقت حتى يحصل له الفضل.

وطريق الاستفادة أن يكون معه في كل وقت محبرة حتى يكتب ما يسمع من الفوائد قيل: ما حفظ فر وما كتب قر وأقوى أسباب الحفظ الجد والمواظبة وتقليل الغذاء وصلاة الليل وقراءة القرآن نظرا والسواك وشرب العسل وأكل الكندر٣ مع السكر وأكل ما يقلل البلغم والرطوبات يزيد في الحفظ،


١ مفردها وقر: وهو الحمل ويريد خير من سماع حملين من الكتب.
٢ هو الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، قاض فقيه، من أصحاب أبي حنيفة، توفي سنة ٢٠٤-٨١٩م.
٣ الكندر: ضرب من اللبان أو العلك.

<<  <   >  >>