صارت له أحوال الملائكة وقرب كقربهم وأودع فيه من النور ما شابه به الملائكة فلما أصر واستكبر وعاد إلى الماهية الأصلية نال ما نال وعوقب بما عوقب وهذا أحسن ما تفسر به الآية الكريمة وإن كان قد قيل في تفسيرها أمور أخر كلها صرف اللفظ عن ظاهره بغير قرينة ولا مرجح وما جعلوه مانعا من أن الملائكة لم يقع منهم الاستنكار وإنما هو على جهة العرض يأباه قطعهم بان آدم وذريته سيفسدون ويسفكون الدماء فهذا مما يبين أن كل مخلوق لا بد له من الخطأ فإن الملائكة قد قص الله علينا أمرهم هذا والأنبياء كذلك وكل ذلك إنما وقع منهم في الاجتهادات لا في الأوامر والتشريعات فلما وقع ذلك منهم وقد ثبتت لهم العصمة نبهوا على الخطأ فقد وقع ذلك لسيد ولد آدم وخير الخلق وأقربهم إلى الله صلى الله عليه وسلم ونبه وكذا الملائكة وكفى بهذا رادعا وزاجرا للعلماء عن إثبات الشريعة بالرأي والقياسات الواهية غير ما كانت علته منصوصة أو منبها عليها وأما فحوى الكتاب وقياس الأول فهو داخل في مفهوم اللفظ ليس من باب القياس وإنما القياس الممنوع الذي يكون باعتبار الأقيسة الأخرى التي توسعوا فيها مثل السبر والتقسيم والإحالة وغير ذلك وإذا اعتقد أنه شرع وأوجب على غيره اتباعه أو أفتى به أو قضى عليه فقد تقول على الله سبحانه بما لم يقله فليكن هذا على ذكر منك فإنه من أعظم الأمور التي يكون بها الهلاك فما أحق العالم أنه إذا لم يجد علة منصوصا عليها ولا منبها عليها أن يترك التشريع وهذا المقيس بالرأي إنما عسر الشريعة والنبي صلى الله عليه وسلم يسرها وهذه نصيحة مني لمن يريد الله به خيرا ليس الموجب لها إلا حب إخواني من علماء المسلمين المتبعين.
وأما المقلد أو مجتهد المذهب فليس من مبحوثنا ولا دخل في نصيحتنا لأنه ممنوع عن التكلم محجور عن التعرض حتى يصدق عليه اسم العالم لما عرفت ومن أراد تحقيق ذلك فعليه بكتب شيخنا الشوكاني وكتب أئمة السنة ابن تيمية وابن القيم وابن الوزير والسيد الأمير ومن حذا حذوهم وبتكميل الحجة والبيان وشرح بيتي إمام الزمان ففيها ما يغني ويقني وإنما جرى القلم بهذا في هذه وإن كان المبحوث عنه سواه لأن له دخلا فيها.
ولما نظرت هذه الفضيلة التي ثبتت لآدم باعتبار العلم عدلت إلى أن هؤلاء العلماء الذين عرفت أنهم المقصودون هنا وزع الله بينهم الفضائل وجعلهم أنواعاً.
النوع الأول: علماء الصحابة الحافظين للشريعة المبلغين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلمين لمن دخل في الدين القائمين بنشرها المجاهدين لمن خالفها.
النوع الثاني: التابعون لتلك الفضائل القافون أثر الأوائل. الراحلون لتنفيذها إلى البلاد المبلغون إلى من بعدهم من العباد وهم دون النوع الأول من الرتبة.
النوع الثالث: تابعو التابعين وهم على نهجهم في تلك العناية ومتبعون لهم في الفضائل والشرف حتى كانوا خلفهم في القيام بذلك المنصب وفعلوا كفعلهم في إحراز ذلك المطلب ثم من بعده كثرت الروايات وانتشرت في جميع الأقطار بفتح البلاد وفشا الكذب وعم التقليد الذي منع منه الأئمة المجتهدون وحذر منه السلف الصالحون.
النوع الرابع: العلماء البالغون إلى رتبة الاجتهاد المطلق وهم كثيرون غير الأربعة المشهورين كما صرح