بذلك أهل السير والطبقات في كتبهم وكانوا لا يقلدون أحدا ولا ينسبون أنفسهم إلى أحد ولم يكونوا متمذهبين كما يزعم من لا علم له بأحوال العلماء.
النوع الخامس: وهو من اشتغل بطلب جمع الأحاديث حتى حفظ منها مالا يقدره طباعنا ولا يتصوره حواسنا فمنهم من حفظ ألف ألف أي عشرة لكوك في العرف ومنهم من حفظ عشرة آلاف ألف بمعنى مائة لك ومنهم من حفظ أحمال جمال من المائة فما دون وما فوق ورحل في طلب ذلك إلى مشرق الأرض ومغربها جنوبا وشمالا وذلك بسبب أن الله تبارك وتعالى خلق للسنة المطهرة خلقا مثل هؤلاء فسعوا في طلبها وبذلوا نفوسهم وملاذهم في تحصيلها وداروا الأقطار ووصلوا الليل والنهار وأحرزوها وبثوها في الناس وقضوا ما كان عليهم وبقي ما كان لهم فجزاهم الله عن الإسلام جزاء خير على التمام والسنة صنو القرآن الكريم وإنما فارقها لكونه للتحدي وهي مشاركة له في التشريع وقد تدارك الله بحفظ الكتاب ويلزم منه حفظ السنة لكونها وضعت بأنها وحي ثم بعدهم.
النوع السادس: وهو أنه لما كثرت الزيادة فيها وفشا الكذب وظهر أهل الوضع والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كل حين وكل وقت في زيادة واحتالوا بإدخال الأحاديث الموضوعة والمكذوبة في أسانيد الأثبات الثقات أوجد الله لها هذا النوع فزبروها وعرفوا صحيحها من سقيمها وبينوا موضوعها ومكذوبها وغير ذلك وفحصوا وداروا الأقطار وسألوا الكبار وأخرجوا ما دسه الأشرار وأوضحوا ذلك أوضح منار وعرفوا كل واحد من رواتها باسمه ولقبه وبلده وكنيته وحرفته ومشائخه والآخذين عنه ومجالسه ومن حضر ومن ذهل في حال الإملاء عليهم في ذلك المجلس وما قدر ذهوله وبينوا أسباب القدح من وضع وكذب وتدليس وإبهام وسوء حفظ ولين ومختلط في عقله وصدوق وشيخ وغير ذلك ولهم في ذلك اصطلاحات يعرفها من عرف علم السنة فإنه لا بد من معرفتها ثم دونوا للرجال كتبا ذكروا فيها أحوالهم وما سبب القدح فيهم وما يقبلون فيه وما لم يقبلوا فيه إذا كان له حالات وما يعرض لهم وعمن رووا ومن روى عنهم ثم دونوا كتبا في المكذوبات والموضوعات والضعاف والحسان والصحاح ومنهم من جمع الجميع ولما كان لا يؤمن بعد أعصارهم أن لا تكون تلك الكتب ولا الأقوال أقوالهم أوجد الله تعالى من بعدهم في كل عصر علماء وهم.
النوع السابع: فشرحوا كتبهم وأوضحوا مرادهم وبينوا للناس مقاصدهم وعرفوا الناس بصحة نسبة ذلك إليهم وأنه كتاب فلان بإحراز أسانيده وكل خلف عن سلف معروف معلوم مشهور إلى عند المصنف وأبدوا صناعات تطرب الألباب واخترعوا أساليب معونة للطلاب فمنها ما فعلوه على أبواب الفقه ورووا فيه كل ما يصلح للاحتجاج من تلك المجموعات وتكلموا على سنده وقربوه لطلبته كلية التقريب وأزالوا عنه النصب ومنحوه أوفر نصيب وما أنتجته أفكارهم السليمة وأفهامهم المستقيمة من الفوائد العجيبة والنكت الغريبة والأساليب البديعة ولم يتهوروا في الرأي ولا تبعوا ما لم يكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن نقلوا ما قاله أهل المذاهب من المسائل التي لم تكن موافقة للدليل ودونوا ما حكوه عنهم من تلك العجائب فلا يخل إما أن يكون لقصد البيان وإظهار أن خلاف كلامه هو الصواب فهذا هو الميثاق الذي أخذه الله على أهل الكتاب ومنهم من يكون من باب قوله: