للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسرج به في القناديل، أطلقوا للزياتين مقدارًا من السيرج في كل يوم يباع في الناس لوقود الزينة، وفي كل يوم يطوف المنادي، ويكرر المناداة بالشوارع على الناس بالسهر والقود والزينة، وعدم غلق الحوانيت ليلًا نهارًا".

فليجتر الرافعي مجد الفخار والعزة، أما شعب مصر، فكان في شغل عن الاحتفال بفتح الدرعية، بأكل القمح السوس، واستجداء زيت الباشا لتشعل به القناديل، تلبية لتعليمات المنادي، وإذا كان الرافعي يده في ماء الأمجاد التاريخية، فإن الجبرتي ومعاصريه كانوا في نار الواقع، لذلك يقول الجبرتي: "وقد ذهب في هاتين الملعبتين (احتفالات الفخر والعزة .. إلخ يسميها الجبرتي "ملاعب") من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر، وأهل الاستحقاق يتظلمون من القشل والتفليس، مع ما هم فيه من غلاء الأسعار في كل شيء وانعدام الأدهان وخصوصًا السمن والسيرج والشحم، فلا يوجد من ذلك الشيء اليسير إلا بغاية المشقة، ويكون على حانوت بعض السمن شدة الزحام والصياح".

فلا جرم أن تكون هذه الحفلات الحربية سببًا في زيادة شقاء وتعاسة وضيق المصريين، ويضيف الجبرتي عن هذه الملاعيب: "غالب هذه الأعمال من صناعة الإفرنج والنصارى الأرمن بمصر القديمة وبولاق والإفرنج". ثم يعود فيؤكد ذلك وكأنه يرد على شبهات الرافعي بعد مائة عام: "والذي تولى الاعتناء بذلك طائفة الإفرنج". "وكانت معظمها حيث مساكن الإفرنج والأرمن فإنهم تفننوا في عمل التصاوير والتماثيل وأشكال السيرج".

احتفل الأرمن والإفرنج، وابتهج الباشا، وثارت في نفس الرافعي، روح العزة والفخار، أما المصريون: فلا حاربوا ولا ابتهجوا .. بل حارب إبراهيم باشا

<<  <   >  >>