للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة، وكان من أعلم كهاننا، فقلنا له يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التي يرمى بها؟ فإنا قد فزعنا لها وخفنا سوء عاقبتها، فقال ائتوني بسحر أي قبيل الفجر أخبركم الخبر الخير، أم ضرر أم لأمن أو حذر. قال. فانصرفنا عنه يومنا فلما كان من الغد في وجه السحر أتيناه، فإذا هو قائم على قدميه شاخص في السماء بعينيه، فناديناه: يا خطر يا خطر، فأومأ إلينا أن أمسكوا فأمسكنا فانقض نجم عظيم من السماء وصرخ الكاهن رافعا صوته أصابه أصابه، جمع وصب كجمل وجمال، فالهمزة بدل من الواو، خامره عقابه، عاجله عذابه، أحرقه شهابه، زايله جوابه: أي زال عنه جوابه، يا ويله ما حاله، بلبله بلباله، البلبال الغم، عاوده خباله، تقطعت حباله، وغيرت أحواله، ثم أمسك طويلا، ثم قال: يا معشر بني قحطان، أخبركم بالحق والبيان، أقسم بالكعبة والأركان، والبلد المؤتمن السدان أي الخدام، قد منع السمع عتاة الجان، بثاقب يكون ذا سلطان، من أجل مبعوث عظيم الشأن، يبعث بالتنزيل والفرقان، وبالهدى وفاضل القرآن، تبطل به عبادة الأوثان، قال فقلنا له: ويلك يا خطر إنك لتذكر أمرا عظيما، فماذا ترى لقومك؟ فقال:

أرى لقومي ما أرى لنفسي ... أن يتبعوا خير نبي الإنس

برهانه مثل شعاع الشمس ... يبعث في مكة دار الحمس

بمحكم التنزيل غير اللبس

والحمس بضم الحاء المهملة وإسكان الميم والسين المهملة: هم قريش وما ولدت من غيرها فإنهم كانوا لا يزوجون بناتهم لأحد من أشراف العرب إلا على شرط أن يتحمس أولادهم، فإن قريشا من بين قبائل العرب دانوا بالتحمس، ولذلك تركوا الغزو، لما في ذلك من استحلال الأموال والفروج ومالوا للتجارة، ومن ثم يقال: قريش الحمس، سموا بذلك لتشددهم في دينهم، لأن الحماسة هي الشدة، فقلنا له: يا خطر ومن هو؟ فقال والحياة والعيش، إنه لمن قريش، ما في حكمه طيش. أي عدول عن الحق، من قولهم طاش السهم عن الهدف: إذا عدل عنه، ولا في خلقه هيش. أي ليس في طبيعته وسجيته قول قبيح، يكون في جيش، وأي جيش، من آل قحطان، وآل أيش، وآل قحطان هم الأنصار، قال صلى الله عليه وسلم: «رحى الإيمان دائرة في ولد قحطان» وآل أيش قبيلة من الجن المؤمنين، ينسبون إلى أبيهم أيش، شخص من كبير الجن. وقيل أراد بهم المهاجرين. أي ومن المهاجرين الذي يقال فيهم أيش، لأنه يقال في مقام المدح فلان أيش على معنى أي شيء هو؟ أي شيء عظيم لا يمكن أن يعبر عن عظمته وجلالته. وروي بدل أيش ريش. فقلنا له بين لنا من أي قريش؟ فقال: والبيت ذي الدعائم، يعني الكعبة، والركن يعني الحجر

<<  <  ج: ص:  >  >>