الحق تعالى قد كشف لنا عن حياتها عينا وأسمعنا تسبيحها ونطقها، وكذلك اندكاك الجبل لما وقع التجلي إنما كان ذلك منه لمعرفته بعظمة الله عز وجل، ولولا ما عنده من العظمة لما تدكدك، والله أعلم.
[باب: بيان حين المبعث وعموم بعثته صلى الله عليه وسلم]
قال ابن إسحق: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله رحمة للعالمين، وكافة للناس أجمعين. وكان الله قد أخذ له الميثاق على كل نبيّ بعثه قبله بالإيمان به، والتصديق له، والنصر على من خالفه، وأن يؤدّوا ذلك إلى كل من آمن بهم وصدقهم: أي فهم وأممهم من حملة أمته صلى الله عليه وسلم كما سيأتي عن السبكي.
فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس الأربعين» . قال: وهذا هو المشهور بين الجمهور من أهل السير، والعلم بالأثر.
وقيل بزيادة يوم. وقيل بزيادة عشرة أيام، وقيل بزيادة شهرين. وقيل بزيادة سنتين، وهو شاذ، وأكثر منه شذوذا ما قيل إنه بزيادة ثلاث سنين، وما قيل إنه بزيادة خمس سنين. قال بعضهم: والأربعون هي سن الكمال، ونهاية بعث الرسل: أي لا يرسلون دونها، ومن ثم قال في الكشاف: ويروى أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة، هذا كلام الكشاف. وأما ما يذكر عن المسيح أنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة: أي ومعلوم أنه دعا إلى الله قبل ذلك، فهو قول شاذ حكاه وهب بن منبه عن النصارى اهـ: أي وعليه جرى غير واحد من المفسرين، بل قال في ينبوع الحياة: لم يبلغني أن أحدا من المفسرين ذكر في مبلغ سنه إذ رفع أكثر من ثلاث وثلاثين سنة هذا كلامه.
وفي الهدى: وأما ما يذكر عن المسيح أنه رفع إلى السماء وله ثلاث وثلاثون سنة، فهذا لا يعرف به أثر متصل يجب المصير إليه، هذا كلامه. ويوافق ما تقدم عن المفسرين وما في «العرائس» : ولما تمت له يعني عيسى عليه الصلاة والسلام ثلاثون سنة أوحى الله تعالى إليه أن يبرز للناس، ويدعوهم، ويضرب الأمثال لهم، ويداوي المرضى والزمنى والعميان والمجانين، ويقمع الشياطين، ويذلهم ويدحرهم، ففعل ما أمر به، وأظهر المعجزات، فأحيا ميتا يقال له عازر بعد ثلاثة أيام من موته.
وعبارة الجلال المحلي في قطعة التفسير: أحيا عيسى عليه الصلاة والسلام أربعة. عازر صديقا له، وابن العجوز، وابنة العاشر، وسام بن نوح، هذا كلامه.
وذكر البغوي قصة كل واحد فراجعه. وكان عيسى عليه الصلاة والسلام يمشي على الماء، ومكث في الرسالة ثلاث سنوات ثم رفع، ويوافق ذلك أيضا قول ابن الجوزي: وأما حديث: وما من نبي إلا نبىء بعد الأربعين فموضوع، لأن عيسى عليه