للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فتح مكة شرفها الله تعالى]

كان في رمضان سنة ثمان. وكان السبب في ذلك أنه لما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش كان فيه أن: من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه، فدخلت بنو بكر في عهد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وكان قبل ذلك بينهما دماء، أي فحجز الإسلام بينهما لتشاغل الناس به، وهم على ما هم عليه من العداوة، وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم، أي يناصرونه على عمه نوفل بن عبد مناف.

فإن المطلب لما مات وثب نوفل على ساحات وأفنية كانت لعبد المطلب واغتصبه إياها، فاضطرب عبد المطلب لذلك واستنهض قومه، فلم ينهض معه أحد منهم، وقالوا له لا ندخل بينك وبين عمك، وكتب إلى أخواله بني النجار، فجاءه منهم سبعون راكبا فأتوا نوفلا وقالوا له: ورب البينة لتردنّ على ابن أختنا ما أخذت وإلا ملأنا منك السيف، فرده ثم حالف خزاعة بعد أن حالف نوفل بني أخيه عبد شمس، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك الحلف فإنهم أوقفوه على كتاب عبد المطلب وقرأه عليه أبي بن كعب رضي الله عنه: أي بالحديبية، وهو باسمك اللهم، هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة إذا قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي منهم، غائبهم يقرّ بما قاضى عليه شاهدهم أن بيننا وبينكم عهود الله وميثاقه وما لا ينسى أبدا، اليد واحدة والنصر واحد، ما أشرق ثبير وثبت حرا مكانه، وما بلّ بحر صوفة.

وفي الإمتاع أن نسخة كتابهم: باسمك اللهم، هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالات عمرو بن ربيعة من خزاعة، تحالفوا على التناصر والمواساة ما بلّ بحر صوفة، حلفا جامعا غير مفرق، الأشياخ على الأشياخ، والأصاغر على الأصاغر، والشاهد على الغائب، وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد وأوثق عقد لا ينقض ولا ينكث، ما أشرقت شمس على ثبير، وحنّ بفلاة بعير، وما أقام الأخشبان، وعمر بمكة إنسان، حلف أبد لطول أمد، يزيده طلوع الشمس شدّا، وظلام الليل مدا، وأن عبد المطلب وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون، فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب، وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب أو حزن أو سهل، وجعلوا الله على ذلك كفيلا، وكفى بالله جميلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعرفني بحقكم وأنتم على ما أسلفتم عليه من الحلف.

فلما كانت الهدنة، وهي ترك القتال التي وقعت في صلح الحديبية اغتنمها بنو

<<  <  ج: ص:  >  >>