منه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وكانت غيبته عن المدينة أربع عشرة ليلة اهـ.
وذكر بعضهم «أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من بني لحيان وقف على الأبواء فنظر يمينا وشمالا، فرأى قبر أمه آمنة، فتوضأ ثم صلى ركعتين فبكى وبكى الناس لبكائه ثم قام فصلى ركعتين ثم انصرف إلى الناس وقال لهم صلى الله عليه وسلم: ما الذي أبكاكم؟ قالوا: بكيت فبكينا يا رسول الله، قال: ما ظننتم؟ قالوا، ظننا أن العذاب نازل علينا، قال: لم يكن من ذلك شيء، قالوا: ظننا أن أمتك كلفت من الأعمال ما لا تطيق، قال: لم يكن من ذلك شيء ولكني مررت بقبر أمي فصليت ركعتين ثم استأذنت ربي عز وجل أن أستغفر لها فزجرت زجرا» أي منعت عن ذلك منعا شديدا «فأبكاني» وفي لفظ «فعلى بكائي هذ» أي فعلى هذا بكائي.
والذي في الوفاء «أنه صلى الله عليه وسلم وقف على عسفان، فنظر يمينا وشمالا، فأبصر قبر أمه فورد الماء، فتوضأ ثم صلى ركعتين، قال بريدة: فلم يفجأنا إلا ببكائه، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف فقال: ما الذي أبكاكم؟» الحديث.
«ثم دعا براحلته فركبها، فسار يسيرا فأنزل الله تعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ [التّوبة:
الآية ١١٣] صلى الله عليه وسلم وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ [التّوبة: الآية ١١٣] إلى آخر الآيتين، فلما سري عنه الوحي قال:
أشهدكم أني بريء من آمنة كما تبرأ إبراهيم من أبيه.
أي وهذا السياق يدل على أن هاتين الآيتين غير ما زجر به عن الاستغفار لها المتقدّم في قوله «فزجرت زجرا» فليتأمل.
وفي مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه قال «زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته في أن أزورها» أي بعد ذلك «فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت» .
وسيأتي عن عائشة رضي الله عنها «أن في حجة الوداع مرّ صلى الله عليه وسلم على عقبة الحجون فنزل وقال لها: وقفت على قبر أمي» وسيأتي أن ذلك يدل على أن قبر أمه بمكة لا بالأبواء، وتقدم الجمع بين كونه بالأبواء، وكونه بمكة، وسيأتي بالحديبية أنه صلى الله عليه وسلم زار قبرها وفي فتح مكة أيضا، وسيأتي الكلام على ذلك وأن ذلك كان قبل إحيائها له وإيمانها به صلى الله عليه وسلم.
[غزوة ذي قرد]
بفتح القاف والراء، وقيل بضمهما، أي وقيل بضم الأول وفتح الثاني: اسم ماء.
والقرد في الأصل: الصوف الرديء، ويقال لها غزوة الغابة، والغابة: الشجر الملتف.