فوضعه في حجره ثم قام عبد المطلب ورفع يديه، ثم قال: اللهم رب البرق الخاطف، والرعد القاصف، رب الأرباب، وملين الصعاب، هذه قيس ومضر، من خير البشر، قد شعثت رؤوسها، وحدبت ظهورها تشكو إليك شدة الهزال وذهاب النفوس والأموال. اللهم فأتح لهم سحابا خوارة وسماء خرارة لتضحك أرضهم ويزول ضرهم، فما استتم كلامه حتى نشأت سحابة دكناء لها دويّ وقصدت نحو عبد المطلب، ثم قصدت نحو بلادهم، فقال عبد المطلب: يا معشر قيس ومضر انصرفوا فقد سقيتم فرجعوا وقد سقوا.
وذكر بعضهم أنهم كانوا في الجاهلية يستسقون إذا أجدبوا فإذا أرادوا ذلك أخذوا من ثلاثة أشجار، وهي سلع وعشر وشبرق، من كل شجرة شيئا من عيدانها وجعلوا ذلك حزمة وربطوا بها على ظهر ثور صعب وأضرموا فيها النار ويرسلون ذلك الثور، فإذا أحس بالنار عدا حتى يحترق ما على ظهره ويتساقط، وقد يهلك ذلك الثور فيسقون.
وفي حياة الحيوان كانت العرب إذا أرادت الاستسقاء جعلت النيران في أذناب البقر وأطلقوها فتمطر السماء، فإن الله يرحمها بسبب ذلك. قال: وذكر ابن الجوزي أنه صلى الله عليه وسلم في سنة سبع من مولده أصابه رمد شديد، فعولج بمكة فلم يغن، فقيل لعبد المطلب إن في ناحية عكاظ راهبا يعالج الأعين فركب إليه ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناداه وديره مغلق فلم يجبه، فتزلزل ديره حتى خاف أن يسقط عليه، فخرج مبادرا.
فقال: يا عبد المطلب إن هذا الغلام نبي هذه الأمة ولو لم أخرج إليك لخر علي ديري، فارجع به واحفظه لا يقتله بعض أهل الكتاب، ثم عالجه وأعطاه ما يعالجه به.
هذا ورأيت في كتاب سماه مؤلفه «كريم الندماء ونديم الكرماء» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمد وهو صغير، فمكث أياما يشكو، فقال قائل لجده عبد المطلب: إن بين مكة والمدينة راهبا يرقي من الرمد، وقد شفى على يديه خلق كثير، فأخذه جده وذهب به إلى ذلك الراهب، فلما رآه الراهب دخل إلى صومعته فاغتسل ولبس ثيابه ثم أخرج صحيفة فجعل ينظر إلى الصحيفة وإليه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: هو والله خاتم النبيين، ثم قال:
يا عبد المطلب هو أرمد؟ قال نعم، قال: إن دواءه معه، يا عبد المطلب خذ من ريقه وضعه على عينيه فأخذ عبد المطلب من ريقه صلى الله عليه وسلم ووضعه على عينيه صلى الله عليه وسلم فبرئ لوقته ثم قال الراهب يا عبد المطلب وتالله هذا هو الذي أقسم على الله به فأبرأ المرضى وأشفى الأعين من الرمد فليتأمل، فإن تعدد الواقعة لا يخلو عن بعد، والله أعلم.
[باب: وفاة عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب له صلى الله عليه وسلم]
ثم لما كان سنه صلى الله عليه وسلم ثمان سنين: أي بناء على الراجح من الأقوال المتكاثرة،