مملوء ماء يتدفق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتبعوني ثم أقتحمه فاتبعوه فأيبس الله عز وجل الماء فلما وصلوا إلى مكة تحدثوا بذلك، فقال الناس: إن لهذا الغلام شأنا اهـ.
أي وفي السيرة الهشامية أن رجلا من لهب كان قائفا. وكان إذا قدم مكة أتاه رجال من قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويقتاف لهم فيهم، فأتى أبو طالب بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام مع من يأتيه فنظر إليه صلى الله عليه وسلم، ثم شغل عنه بشيء، فلما فرغ قال عليّ بالغلام، وجعل يقول ويلكم ردوا عليّ الغلام الذي رأيت آنفا فو الله ليكوننّ له شأن، فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه وانطلق به، والله أعلم.
[باب: ذكر سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام]
عن ابن إسحق لما تهيأ أبو طالب للرحيل صبّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة. والصبابة: رقة الشوق، قاله في الأصل.
قال: وعند بعض الرواة: فضبث به أي بفتح الضاد المعجمة والباء الموحدة والثاء المثلثة كضرب لزمه وقبض عليه، يقال ضبثت على الشيء: إذا قبضت عليه.
فقد جاء: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: قل للملأ من بني إسرائيل لا يدعوني والخطايا بين أضباثهم: أي قبضاتهم: أي وهم يحملون الأوزار غير مقلعين عنها: أي وعلى ما عند بعض الرواة اقتصر الحافظ الدمياطي، فلفظه: لما تهيأ يعني أبا طالب للرحيل ضبث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق له أبو طالب وقال: والله لأخرجنّ به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا.
أقول: رأيت بعضهم نقل عن سيرة الدمياطي: وضبث به أبو طالب ضباثة لم يضبث مثلها لشيء قط وإنه ضبث بالضاد المعجمة والباء الموحدة والثاء المثلثة. قال وهو القبض على الشيء، وهذا لا يناسب قوله ضباثة لم يضبث مثلها لشيء قط، لأن ذلك إنما يناسب صب بالصاد المهملة: أي الذي هو الرقة كما لا يخفى. على أن مصدر ضبث إنما هو الضبث، ومن ثم لم أجد ذلك في السيرة المذكورة. والذي رأيته فيها ما قدمته عنها، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم مسك بزمام ناقة أبي طالب، وقال: يا عم إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أم. وكان سنه صلى الله عليه وسلم تسع سنين على الراجح. وقيل اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام: أي وهذا القيل صدر به في الإمتاع وقال إنه أثبت: أي ومن ثم اقتصر عليه المحب الطبري.
وذكر أنه لما سار به أردفه خلفه فنزلوا على صاحب دير، فقال صاحب الدير ما هذا الغلام منك؟ قال ابني، قال: ما هو بابنك، وما ينبغي أن يكون له أب حي هذا نبي: أي لأن من كانت هذه الصفة صفته فهو نبي: أي النبي المنتظر.