ومن علامة ذلك النبي في الكتب القديمة أن يموت أبوه وأمه حامل به كما تقدم وسيأتي أو بعد وضعه بقليل من الزمن: أي ومن علامته أيضا في تلك الكتب موت أمه وهو صغير كما تقدم في خبر سيف بن ذي يزن. ولا ينافي ذلك الاقتصار من بعض أهل الكتب القديمة على الأول الذي هو موت أبيه وهو حمل.
قال أبو طالب لصاحب الدير وما النبي؟ قال: الذي يأتي إليه الخبر من السماء فينبئ أهل الأرض. قال أبو طالب الله أجل مما تقول، قال: فاتق عليه اليهود، ثم خرج حتى نزل براهب أيضا صاحب دير، فقال له: ما هذا الغلام منك، قال ابني، قال: ما هو بابنك، وما ينبغي أن يكون له أب حي. قال ولم؟ قال لأن وجهه وجه نبي وعينه عين نبي: أي النبي الذي يبعث لهذه الأمة الأخيرة، لأن ما ذكر علامته في الكتب القديمة. قال أبو طالب: سبحان الله! الله أجل مما تقول. ثم قال أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي ألا تسمع ما يقول؟ قال: أي عم لا تنكر لله قدرة، والله أعلم.
فلما نزل الركب بصرى وبها راهب يقال له بحيرا، بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية آخره راء مقصورة، واسمه جرجيس، وقيل سرجيس.
وحينئذ يكون بحيرا لقبه في صومعة له. وكان انتهى إليه علم النصرانية: أي لأن تلك الصومعة كانت تكون لمن ينتهي إليه علم النصرانية، يتوارثونها كابرا عن كابر، وعن أوصياء عيسى عليه الصلاة والسلام. وفي تلك المدة انتهى علم النصرانية إلى بحيرا، وقيل كان بحيرا من أحبار اليهود يهود تيما.
أقول: لا منافاة لأنه يجوز أن يكون تنصر بعد أن كان يهوديا كما وقع لورقة ابن نوفل كما سيأتي.
هذا وقال ابن عساكر: إن بحيرا كان يسكن قرية يقال لها الكفو، بينها وبين بصرى ستة أميال. وقيل كان يسكن البلقاء من أرض الشام بقرية، يقال لها ميفعة، ويحتاج إلى الجمع.
وقد يقال يجوز: أنه كان يسكن في كلّ من القريتين كل واحدة يسكن فيها زمنا، وكان في بعض الأحايين يأتي لتلك الصومعة فليتأمل. وقد سمع مناد قبل وجوده صلى الله عليه وسلم ينادي ويقول: ألا إن خير أهل الأرض ثلاثة: رباب بن البراء، وبحيرا الراهب، وآخر لم يأت بعد. وفي لفظ: والثالث المنتظر يعني النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن قتيبة.
قال ابن قتيبة: وكان قبر رباب وقبر ولده من بعده لا يزال يرى عندهما طش: