جهنم. وقد قرأتها عائشة رضي الله تعالى عنها كذلك أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩)[الأنبياء: الآية ٩٩] شق على كفار قريش وقالوا لعبد الله بن الزبعرى: قد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا حصب جهنم، فقال ابن الزبعرى: أنا أخصم لكم محمدا ادعوه لي، فدعوه له، فقال: يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أم لكل من عبد من دون الله؟ فقال: بل لكل من عبد من دون الله، فقال ابن الزبعرى: أخصمت ورب هذه البنية. يعني الكعبة- ألست تزعم يا محمد أن عيسى عبد من دون الله وكذا عزير والملائكة، عبدت النصارى عيسى واليهود عزيرا وبنو مليح الملائكة، فضج الكفار وفرحوا فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١)[الأنبياء: الآية ١٠١] يعني عيسى وعزيرا والملائكة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[باب الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة وسبب رجوع من هاجر إليها من المسلمين إلى مكة وإسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه]
لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نزل بالمسلمين من توالي الأذى عليهم من كفار قريش مع عدم قدرته على انقاذهم مما هم فيه، قال لهم: تفرقوا في الأرض فإن الله تعالى سيجمعكم قالوا: إلى أين نذهب؟ قال: هاهنا وأشار بيده إلى جهة أرض الحبشة؛ قال: وفي رواية «قال لهم اخرجوا إلى جهة أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد؛ أي وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه» انتهى. أي ويجوز أن يكون قال ذلك عند استفساره صلى الله عليه وسلم عن محل اشارته. فقد جاء في الحديث «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب له الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم خليل الله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم» فهاجر إليها ناس ذو عدد مخافة الفتنة، وفرارا إلى الله تعالى بدينهم. ومنهم من هاجر بأهله. ومنهم من هاجر بنفسه؛ فممن هاجر بأهله عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، هاجر ومعه زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أول خارج. وقيل أول من هاجر إلى الحبشة حاطب بن أبي عمرو. وقيل سليط بن عمرو، ولا ينافيهما قوله صلى الله عليه وسلم «إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط» أي حيث قال إني مهاجر إلى ربي فهاجر إلى عمه إبراهيم الخليل، ثم هاجرا عليهما الصلاة والسلام حتى أتيا حران، ثم هاجرا إلى أن نزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام فلسطين، ونزل لوط عليه الصلاة والسلام المؤتفكة.
ووجه عدم المنافاة أن كلا من حاطب وسليط يجوز أن يكون هاجر بغير أهله