أي ومن إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم ما روي عن النابغة الجعدي رضي الله تعالى عنه قال:
أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبياتا منها:
فلا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجدت، لا أفضض الله فاك من هذه إشارة إلى أسنانه» قال النابغة رضي الله تعالى عنه: فلقد أتت علي نيف ومائة سنة وما ذهب لي سن. قيل عاش مائة واثنتي عشرة سنة، وقيل مائة وثمانين سنة، أي كما تقدم. وفي لفظ: كان من أحسن الناس ثغرا، وكان إذا سقطت له سن نبت له أخرى. أي وعلى هذا الأخير فالمراد لا أخلى الله فاك من الأسنان.
ومن ذلك: أن امرأة جاءت بابن لها صغير، فقالت: «يا رسول الله إن بابني هذا جنونا، وإنه يأخذه عند غذائنا وعشائنا فيفسد علينا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا له، فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي» .
ومنها: إبراء وجع الضرس. فقد جاء: «أن بعض الصحابة شكا إليه صلى الله عليه وسلم وجع ضرسه، فقال له صلى الله عليه وسلم: ادن مني، فو الذي بعثني بالحق لأدعون لك بدعوة لا يدعو بها مؤمن مكروب إلا كشف الله عنه كربه، فوضع رسول الله يده على الخد الذي فيه الوجع وقال: اللهم أذهب عنه سوء ما يجد وفحشه بدعوة نبيك المبارك المكين عندك سبع مرات، فشفاه الله تعالى قبل أن يبرح» هذا ما يتعلق ببعض معجزاته صلى الله عليه وسلم التي يمكن التحدي بها، والحمد لله وحده.
[باب نبذة من خصائصه صلى الله عليه وسلم]
أي ما اختص به صلى الله عليه وسلم عن سائر الناس من الأنبياء وغيرهم، وما اختص به عن غير الأنبياء، وفيما اختصت به أمته صلى الله عليه وسلم عن سائر الناس من الأنبياء وغيرهم، وفيما اشتركت فيه مع الأنبياء دون أممهم.
لا يخفى أن ذكر خصائصه صلى الله عليه وسلم مندوب. قال في الروضة: ولا يبعد القول بوجوب ذلك ليعرف، فلا يتأسى به جاهل في ذلك. ثم لا يخفى أن الذي من خصائصه صلى الله عليه وسلم عن سائر الناس إما أن يكون اختص بوجوبه عليه لأن الله علم أنه صلى الله عليه وسلم أقوم به وأصبر عليه من غيره، ولأن ثواب الفرض أفضل من ثواب النفل غالبا.
وقد جاء: «ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه» أو اختص بتحريمه عليه، لأن الله علم أنه صلى الله عليه وسلم أصبر على تركه ولمزيد فضل تركه، أو اختص بإباحته له تسهيلا عليه، أو اختص باتصافه به ولمزيد فضله وشرفه.