لا يخفى أنه لما كان صبيحة الليلة الثالثة من دخولهما الغار على ما تقدم، جاءهما الدليل الذي هو الرجل الدؤلي براحلتيهما، فركبا وانطلق بهما وانطلق معهما عامر بن فهيرة: أي رديفا لأبي بكر يخدمهما، أي وفي البخاري «أن أبا بكر كان رديفا له صلى الله عليه وسلم» أي ولا مخالفة لما سيأتي.
ويروى «أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار وركب أخذ أبو بكر بغرزه» أي بركابه، والغرز بغين معجمة مفتوحة وراء ساكنة وزاي: ركاب الإبل خاصة «فقال صلى الله عليه وسلم: ألا أبشرك؟ قال بلى فداك أبي وأمي، قال: إن الله عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة عامة، ويتجلى لك خاصة» قال الخطيب: هذا الحديث لا أصل له. قال السيوطي:
رأيت له متابعات «ودعا صلى الله عليه وسلم بدعاء منه: اللهم اصحبني في سفري، واخلفني في أهلي» .
«وأخذ بهم الدليل على طريق السواحل، وصار أبو بكر إذا سأله سائل عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الذي معك» أي وفي رواية: «من هذا الذي بين يديك؟» وفي رواية: «من هذا الغلام بين يديك» أي بناء على أنه كان رديفا له صلى الله عليه وسلم يقول: هذا الرجل يهديني الطريق يعني طريق الخير، أي لأنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر «أله الناس» أي أشغل الناس عني: أي تكفل عني بالجواب لمن سأل عني، فإنه لا ينبغي لنبيّ أن يكذب: أي ولو صورة كالتورية، فكان أبو بكر يقول لمن سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر، وإنما لم يسأل أبو بكر عن نفسه، لأن أبا بكر كان معروفا لهم، لأنه كان يكثر المرور عليهم في التجارة للشام: أي معروفا لغالبهم، فلا ينافي ما جاء في بعض الروايات أنه كان إذا سئل من أنت؟ يقول: باغي أي طالب حاجة، فعلم أن الأنبياء لا ينبغي لهم الكذب ولو صورة، ومن ذلك التوراة، لكن سيأتي في غزوة بدر وقوع التوراة منه صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية «ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء أبي بكر ناقته» وفي التمهيد لابن عبد البر «أنه لما أتي براحلة أبي بكر سأل أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ويردفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنت اركب وأردفك أنا، فإن الرجل أحق بصدر دابته، فكان إذا قيل له من هذا وراءك؟ قال: هذا يهديني السبيل» .
أقول: لا مخالفة بين هذا وما تقدم، لأنه يجوز أن يكون ركب صلى الله عليه وسلم تارة خلف