للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب: سفره صلى الله عليه وسلم إلى الشام ثانيا]

وذلك مع ميسرة غلام خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة أي على الراجح من أقوال ستة، وعليه جمهور العلماء، وتلك أقوال ضعيفة لم تقم لها حجة على ساق، وليس له صلى الله عليه وسلم اسم بمكة إلا الأمين، لما تكامل فيه من خصال الخير كما تقدم.

وسبب ذلك أن عمه صلى الله عليه وسلم أبا طالب قال له: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان: أي القحط وألحت علينا: أي أقبلت ودامت سنون منكرة: أي شديدة الجدب، وليس لنا مادة: أي ما يمدنا وما يقوّمنا ولا تجارة، وهذه عير قومك وتقدم أنها الإبل التي تحمل الميرة. وفي رواية. عيرات، جمع عير قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها، فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع، فلو جئتها فوضعت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك، لما يبلغها عنك من طهارتك وإن كنت لأكره أن تأتي الشام وأخاف عليك من يهودها ولكن لا تجد لك من ذلك بدا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلها أن ترسل إليّ في ذلك. فقال أبو طالب: إني أخاف أن تولي غيرك، فتطلب أمرا مدبرا فافترقا، فبلغ خديجة رضي الله تعالى عنها ما كان من محاورة عمه أبي طالب له. فقالت: ما علمت أنه يريد هذا، ثم أرسلت إليه صلى الله عليه وسلم فقالت: إني دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك. وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقي عمه أبا طالب فذكر له ذلك. فقال:

إن هذا لرزق ساقه الله إليك، فخرج صلى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة: أي يريد الشام وقالت خديجة لميسرة: لا تعص له أمرا ولا تخالف له رأيا، وجعل عمومته يوصون به أهل العير: أي ومن حين سيره صلى الله عليه وسلم أظلته الغمامة.

فلما قدم صلى الله عليه وسلم الشام نزل في سوق بصرى في ظل شجرة قريبة من صومعة راهب يقال له نسطورا: أي بالقصر، فاطلع الراهب إلى ميسرة وكان يعرفه. فقال: يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت الشجرة؟ فقال ميسرة: رجل من قريش من أهل الحزم. فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي: أي صانها الله تعالى أن ينزل تحتها غير نبيّ. ثم قال له: أفي عينيه حمرة؟ قال ميسرة نعم لا تفارقه فقال الراهب: هو هو، وهو آخر الأنبياء، ويا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج: أي يبعث، فوعى ذلك ميسرة: أي والحمرة كانت في بياض عينيه وهي الشكلة. ومن ثم قيل في وصفه صلى الله عليه وسلم: أشكل العينين، فهذه الشكلة من علامات نبوّته صلى الله عليه وسلم في الكتب القديمة، أي وقد تقدم ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>