قال: وفي الشرف للنيسابوري: فلما رأى الراهب الغمامة تظله صلى الله عليه وسلم فزع وقال:
ما أنتم عليه: أي أيّ شيء أنتم عليه؟ قال: ميسرة غلام خديجة رضي الله تعالى عنها، فدنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرا من ميسرة وقبل رأسه وقدمه وقال: آمنت بك، وأنا أشهد أنك الذي ذكره الله في التوراة، ثم قال: يا محمد قد عرفت فيك العلامات كلها: أي العلامات الدالة على نبوتك المذكورة في الكتب القديمة، خلا خصلة واحدة، فأوضح لي عن كتفك، فأوضح له فإذا هو بخاتم النبوة يتلألأ، فأقبل عليه يقبله ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله النبي الأمي الذي بشر بك عيسى ابن مريم، فإنه قال: لا ينزل بعدي تحت هذه الشجرة إلا النبي الأميّ الهاشمي العربي المكي، صاحب الحوض والشفاعة، وصاحب لواء الحمد انتهى.
أقول: قال في النور: ولم أجد أحدا عدّ هذا الراهب الذي هو نسطورا في الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما عدّ بعضهم فيها بحيرا الراهب، وينبغي أن يكون هذا مثله هذا كلامه.
وقد قدمنا أنه سيأتي أن بحيرا ونسطورا ونحوهما ممن صدّق بأنه صلى الله عليه وسلم نبي هذه الأمة من أهل الفترة لا من أهل الإسلام فضلا عن كونه صحابيا، لأن المسلم من أقرّ برسالته صلى الله عليه وسلم بعد وجودها إلى آخر ما يأتي.
ومن ثم ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة أن بحيرا ممن ذكر في كتب الصحابة غلطا، قال: لأن تعريف الصحابي لا ينطبق عليه، وهو مسلم لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على ذلك قال: فقولي مسلم يخرج من لقيه مؤمنا به قبل أن يبعث كهذا الرجل يعني بحيرا، هذا كلامه، ومراده ما ذكرنا، ولعل نسطورا هذا هو الذي تنسب إليه النسطورية من النصارى، فإن النصارى افترقت ثلاث فرق، نسطورية قالوا عيسى ابن الله. ويعقوبية قالوا عيسى هو الله عز وجل هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء. وملكانية قالوا عيسى عبد الله ونبيه. زاد بعضهم فرقة رابعة وهم إسرائيلية قالوا هو إله وأمه إله والله إله.
هذا وفي القاموس: النسطورية بالضم ويفتح: أمة من النصارى تخالف بقيتهم، وهم أصحاب نسطورا الحكيم الذي ظهر في أيام المأمون وتصرف في الإنجيل برأيه وقال إن الله واحد ذو أقانيم ثلاثة، وهو بالرومية نسطورس، كما افترقت اليهود ثلاث فرق، فإنها افترقت إلى قرائية وربانية وسامرية.
ولا يخفى أن بقاء تلك الشجرة هذا الزمن الطويل قبل عيسى وبعده إلى زمن نبينا صلى الله عليه وسلم على خلاف العادة، وصرف غير الأنبياء عن النزول تحت تلك الشجرة وكذا صرف الأنبياء الذين وجدوا بعد عيسى على ما تقدم عن النزول تحت تلك الشجرة بعد عيسى الذي دلت عليه الرواية الأولى والرواية الثانية ممكن، وإن كانت الشجرة