ويقال لها حجة البلاغ، وحجة الإسلام، لأنه صلى الله عليه وسلم ودّع الناس فيها ولم يحج بعدها، ولأنه ذكر لهم ما يحل وما يحرم. وقال لهم: هل بلغت، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج من المدينة غيرها، قيل لإخراج الكفار الحج عن وقته، لأن أهل الجاهلية كانوا يؤخرون الحج في كل عام أحد عشر يوما حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة فيعود إلى وقته، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في هذه الحجة:«إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» فإن هذه الحجة كانت في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته وكانت سنة عشر.
قال الجمهور: فرض الحج وكان سنة ست من الهجرة أي وصححه الرافعي في باب السير وتبعه النووي.
وقيل فرض سنة تسع. وقيل سنة عشر انتهى، وبه قال أبو حنيفة، ومن ثم قال إنه على الفور. وقيل فرض قبل الهجرة واستغرب.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الحج وأعلم الناس بذلك، ولم يحج منذ هاجر إلى المدينة غير هذه الحجة، قال: وأما بعد النبوة قبل الهجرة فحج ثلاث حجات، أي وقيل حجتين: أي وهما اللتان بايع فيهما الأنصار عند العقبة.
وفي كلام ابن الأثير: كان صلى الله عليه وسلم يحج كل سنة قبل أن يهاجر. وفي كلام ابن الجوزي: حج صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها حججا لا يعلم عددها، أي وكان صلى الله عليه وسلم قبل النبوة يقف بعرفات ويفيض منها إلى مزدلفة، مخالفا لقريش توفيقا له من الله، فإنهم كانوا لا يخرجون من الحرم، فإنهم قالوا: نحن بنو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأهل الحرم، وولاة البيت وعاكفو مكة فليس لأحد من العرب منزلتنا فلا تعظموا شيئا من الحل أي كما تعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم وقالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم، فليس لنا أن نخرج من الحرم نحن الحمس، فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منه إلى المزدلفة، ويرون ذلك لسائر العرب: قال بعض الصحابة: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي وإنه واقف على بعير له بعرفات مع الناس من بين قومه حتى يدفع معهم منها توفيقا له من الله عز وجل.
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم للحج أصاب الناس بالمدينة جدري بضم الجيم وفتح الدال