وبفتحهما أو حصبة، منعت كثيرا من الناس من الحج معه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى، قيل كانوا أربعين ألفا، وقيل كانوا سبعين ألفا وقيل كانوا تسعين ألفا وقيل كانوا مائة ألف وأربعة عشر ألفا وقيل وعشرين ألفا، وقيل كانوا أكثر من ذلك. وقد قال صلى الله عليه وسلم: أي عند ذهابه: عمرة في رمضان تعدل حجة، أو قال حجة معي، أي قال ذلك تطبيبا لخواطر من تخلف. وصوب بعضهم أن هذا إنما قاله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه أي إلى المدينة، قاله لأم سنان الأنصارية لما قال لها: ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ وقالت: لنا ناضحان حج أبو فلان: تعني زوجها وولدها على أحدهما، وكان الآخر نسقي عليه أرضنا لنا. وقال ذلك أيضا لغيرها من النسوة، قاله لأم سليم ولأم طلق ولأم الهيثم. ولا مانع أن يكون قال ذلك مرتين: مرة عند ذهابه لما ذكر، ومرة عند رجوعه لمن ذكر.
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة أي وقيل يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة ورجحه بعضهم وأطال في الاستدلال له وذلك سنة عشر نهارا بعد أن ترجل وادهن، وبعد أن صلى الظهر بالمدينة، وصلى عصر ذلك اليوم بذي الحليفة ركعتين، وطاف تلك الليلة على نسائه، أي فإنهن كن معه صلى الله عليه وسلم في الهوداج وكن تسعة، ثم اغتسل، ثم صلى الصبح أي والظهر، ثم طيبته عائشة رضي الله تعالى عنها بذريرة: هي نوع من الطيب مجموع من أخلاط الطيب وبطيب فيه مسك، ثم أحرم صلى الله عليه وسلم أي وذلك بعد أن اغتسل لإحرامه غير غسله الأول، وتجرد في إزاره وردائه، أي فقد روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم أحرم في رداءه وإزار، ولم يغسل الطيب بل كان يرى وبيص المسك في مفارقه ولحيته الشريفة، أي فإنه صلى الله عليه وسلم لبد شعر رأسه بما يلزق بعضه ببعض فلا يشعت.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها:«طيبته صلى الله عليه وسلم لحرمه وحله» وعنها رضي الله تعالى عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت، رواه الشيخان. وعنها قالت:«كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يطوف على نسائه، ثم يصبح محرما ينضح طيبا» وبه ردّ على ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قوله: لأن أصبح مطيبا بقطران أحب إليّ من أن أصبح محرما أنضح طيبا.
ويؤيد ما قاله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ما تقدم في الحديبية: من أمره صلى الله عليه وسلم من تطيب قبل إحرامه بغسل الطيب وتقدم ما فيه، أي وصلى كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ركعتين أي قبل أن يحرم، وبه يردّ قول ابن القيم رحمه الله تعالى: لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر وأهل حيث انبعثت به راحلته أي وهي القصواء أي وهو يردّ ما روي عن ابن سعد رحمه الله تعالى، حج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة قد ربطوا أوساطهم، ومن