هذا شيبة الحمد يعني عبد المطلب وقامت عنده قريش وانفض إليه من كل بطن رجل فسنوا من الماء، ومسوا من الطيب واستلموا وطافوا.
ثم ارتقوا أبا قبيس، فطفق القوم يدنون حوله ما إن يدركه بعضهم مهلة وهي التؤدة والتأني ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أيفع أي ارتفع أو كرب أي قرب من ذلك، فقام عبد المطلب فقال اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة أنت عالم غير معلم مسؤول غير مبخل، وهذه عبيدك وإماؤك بغدرات حرمك أي أفنيته يشكون إليك سنتهم التي أقحلت أي أيبست الظلف والخف: أي الإبل والبقر فأمطرن، اللهم غيثا سريعا مغدقا فما برحوا حتى انفجرت السماء بمائها وكظ الوادي: أي ضاق بثجيجه أي بسيله فلسمعت شيخان قريش وهي تقول لعبد المطلب: هنيئا لك يا أبا البطحاء، بك عاش أهل البطحاء انتهى: أي والظاهر أن القصة واحدة فليتأمل الجمع. وقد يدعى أن الاختلاف من الرواة منهم من عبر بالمعنى.
وفي سقيا الناس بعبد المطلب وأن ذلك ببركته صلى الله عليه وسلم تقول رقيقة:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد عدمنا الحيا واجلوذ المطر
أي امتد زمن تأخره.
فجاد بالماء جونيّ له سبل ... دان............
أي أمطرها طل كثير الهطل قريب.
............... ... ... فعاشت به الأنعام والشجر
منّا من الله بالميمون طائره..............
أي المبارك حظّه.
............ ... وخير من بشّرت يوما به مضر
مبارك الاسم يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر
أي لا معادل ولا مماثل له.
ولما سقوا لم يصل المطر إلى بلاد قيس ومضر فاجتمع عظماؤهم وقالوا قد أصبحنا في جهد وجدب وقد سقى الله الناس بعبد المطلب، فاقصدوه لعله يسأل الله تعالى فيكم فقدموا مكة ودخلوا على عبد المطلب فحيوه بالسلام. فقال لهم: أفلحت الوجوه وقام خطيبهم، فقال: قد أصابتنا سنون مجدبات، وقد بان لنا أثرك، وصح عندنا خبرك، فاشفع لنا عند من شفعك وأجري الغمام لك، فقال عبد المطلب:
سمعا وطاعة، موعدكم غدا عرفات، ثم أصبح غاديا إليها وخرج معه الناس وولده ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصب لعبد المطلب كرسي فجلس عليه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم