لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة بني لحيان لم يقم بها إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن في خيل من غطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة، أي وكانت اللقاح عشرين لقحة وهي ذات اللبن القريبة من الولادة: أي لها ثلاثة أشهر، ثم هي لبون، وفيها رجل من بني غفار هو ولد أبي ذر الغفاري وزوجة لأبي ذر، فقوله وامرأة له، أي لأبي ذرّ رضي الله عنه لا لولده كما يعلم مما يأتي، وكان راعيها يؤوب: أي يرجع بلبنها كل ليلة عند المغرب إلى المدينة، أي فإن المسافة بينها وبين المدينة يوم أو نحو يوم، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة مع اللقاح.
وعند ابن سعد: كان فيها أبو ذرّ وولده أي وزوجة أبي ذر، فقتلوا ولده، أي واحتملوا المرأة. قال:«جاء أن أبا ذرّ الغفاري رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون في اللقاح، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تأمن عيينة بن حصن وذويه أن يغيروا عليك، فألح عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكأني بك قد قتل ابنك وأخذت امرأتك وجئت تتوكأ على عصاك، فكان أبو ذرّ رضي الله عنه يقول: عجبا لي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لكأني بك وأنا ألح عليه، فكان والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني والله لفي منزلنا ولقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روّحت وحلبت عتمتها ونمنا، فلما كان الليل أحدق بنا عيينة بن حصن في أربعين فارسا فصاحوا بنا وهم قيام على رؤوسنا، فأشرف لهم ابني فقتلوه وكان معه ثلاثة نفر فنجوا، وتنحيت عنهم، وشغلهم عني إطلاق عقل اللقاح، ثم صاحوا في أدبارها، فكان آخر العهد بها. ولما قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته تبسم» اهـ أي وروي بدل عيينة بن حصن قال بعضهم:
ولا منافاة، لأن كلا من عيينة بن حصن وعبد الرحمن بن عيينة كانا في القوم، وكان أوّل من علم بهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فإنه غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس له: أي لطلحة يقوده، فلقى غلاما لعبد الرحمن بن عوف، فأخبره أن عيينة بن حصن قد أغار على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعين فارسا من غطفان. قال سلمة: فقلت: يا رباح اقعد على هذا الفرس، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أغير على سرحه.
أي وهذا السياق يدل على أن رباحا غلامه صلى الله عليه وسلم كان مع سلمة أسقط الراوي ذكره ولم يقل ومعه رباح غلامه صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل أن رباحا هذا هو غلام عبد الرحمن الذي أخبر سلمة خبر اللقاح. ولا منافاة بين كون رباح غلامه صلى الله عليه وسلم وغلام عبد الرحمن، لجواز أن يكون كان لعبد الرحمن ثم وهبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو غلام عبد الرحمن بحسب ما كان.
ثم رأيت ما يؤدي الأوّل وهو ما في بعض الروايات عن سلمة قال: خرجت أنا ورباح عبد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤذن بالأولى يعني لصلاة الصبح نحو الغابة وأنا راكب