للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خرج هذا الجيش من المدينة في "٢٧ رجب/ ٧ تشرين الأول"١، سالكًا الطريق المحدد له، وشكل الجناح الأيسر للجيش الثالث، والجناح الأيمن للجيش الرابع، ولم يصادف أثناء زحفه مقاومة تذكر، وعندما وصل إلى بصرى ضرب عليها حصارًا مركزًا، استمر حتى قدوم خالد بن الوليد من العراق.

الجيش الثالث:

بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وهدفه حمص، ويتراوح عديده بين ثلاثة وأربعة آلاف مقاتل، على أن يسلك طريق وادي القرى -الحجر- ذات المنار٢ -زيزاء٣- مآب٤- الجابية- حمص، وأوصى أبو بكر قائده بمثل ما أوصى به عمرو بن العاص، وأضاف قائلًا له: "فإنه ليس يأتيهم مدد إلا أمددناك بمثلهم أو ضعفهم، وليس بكم والحمد لله قلة ولا ذلة، فلا أعرفن من جبنتم عنهم ولا ما خفتم منهم"٥.

يتضمن هذا النص مفهومًا واضحًا للتعبئة العسكرية بما حدده الخليفة من قدرة على الإمداد الصحيح في الوقت المناسب بما يزيد على إمداد العدو، وأضاف إلى التعبئة المادية، تعبئة معنوية عندما أكد لأفراد الجيش أنهم في عدة وعدد حسن، وهم فرسان ذوو بصيرة، وقدرة على القتال، وما بهم خوف ولا جبن، مما يدفعهم إلى ملاقاة عدوهم بقلوب قاسية لا تعرف المسالمة ولا اللين.

وأضاف أبو بكر "فبث خيلك في القرى والسواد، ولا تحاصر مدينة من مدنهم حتى يأتيك أمري"٥، والواضح أن في هذا الأمر علاقة بالتوزيع السكاني في بلاد الشام، وأن أبا بكر أراد أن يجنب قادته صدامًا كبيرًا مع العدو في المرحلة الأولى من الفتوح، ويدل ذلك على:

- أن غالبية سكان مدن بلاد الشام كانوا متحالفين مع البيزنطيين، ويعارضون الانتشار الإسلامي في ربوع بلادهم.

- أن سكان القرى والوساد كانوا أقرب إلى صداقة المسلمين وأقل عداوة، وذلك بفعل طبيعتهم البدوية التي تنسجم مع طبيعة العربي المسلم.

- إدراك أبي بكر لطبيعة التوزع السكاني في بلاد الشام، وتوجهات سكانها.


١ كمال: ص١٨٥.
٢ ذات المنار: موضع في أول أرض الشام من جهة الحجاز، الحموي: ج٣ ص٣.
٣ زيزاء: من قرى البلقاء، المصدر نفسه: ص١٦٣.
٤ مآب: مدينة في طرف الشام من نواحي البلقاء، المصدر نفسه: ج٥ ص٣١.
٥ الأزدي: ص١٦.

<<  <   >  >>