للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتح قنسرين:

عاد أبو عبيدة بعد الانتصار، إلى حمص، وأرسل خالدًا إلى قنسرين، وتقع على الطريق بين حلب وأنطاكية، ويتصل بها الطريق الذي يؤدي إلى شيزر، ثم حماة فحمص.

كانت قبيلة تنوخ من بين القبائل العربية تسكن هناك منذ زمن، وكان أفرادها يعيشون منذ سنوات، في خيام من الوبر، ولكنهم تأثروا تدريجيًا بالحضارة، فشيدا المباني الفخمة، وأضحت قنسرين إحدى الحواضر.

وعندما علم البيزنطيون، وحلفاؤهم العرب المتنصرة بقدوم خالد إليهم اختاروا الاصطدام به بقيادة ميناس، وهو أحد القادة الكبار، فخرج هذا على رأس الجيش إلى الحاضر، وهو مكان قريب من قنسرين وعسكر فيه، وفي الوقت الذي كان يعبئ قواته انقض عليه خالد فجأة، فتغلب عليه وقتله، وأباد جنده. واعتصم أهل قنسرين بحصنهم، فأنذرهم خالد، فطلبوا الأمان، وعرضوا الصلح على شروط حمص مع دفع الجزية، واشترط خالد عليهم أن يهدم حصنهم عقابًا لهم على مقاومتهم، وحتى لا يتحصنوا بداخله مرة أخرى، فهدمه، وفر سكانه إلى أنطاكية١.

فتح حلب:

تابع أبو عبيدة تقدمه إلى حلب، وهي من أعمال قنسرين، وعلى مقدمته عياض ابن غنم، وكان قد فصل من العراق إلى إقليم الجزيرة المجاور للعراق، فاشترك في فتوح الجزيرة والشمال، وكان يسكن في ظاهر المدينة كثير من القبائل العربية، فصالحهم على الجزية، وتصدت له حامية المدينة، وأحرزت بعض التقدم خلال المواجهة، ويبدو أن سكان حلب داخلهم الخوف من توجيه ضربات مضادة من جانب المسلمين، وبخاصة أن معظم المدن سقطت في أيديهم، ولن تكون حلب أمنع من غيرها من هذه المدن، فطلبوا الأمان والصلح وأقروا بالجزية، وتم الصلح على مثل صلح حمص، وكتبت المعاهدة للحفاظ على أرواحهم، وأموالهم وأسوارهم ومنازلهم، وقلاعهم وكنائسهم، واستثنى عليهم موضعًا للمسجد، ويبدو أن جماعة من أهل المدينة لم يتآلفوا مع الحكم الإسلامي، وفضلوا الرحيل إلى أنطاكية، وما لبث عدد كبير ممن بقي في المدينة أن دخل في الإسلام، بعد ذلك٢.


١ الطبري: ج٣ ص٦٠١، ٦٠٢، وقارن بالبلاذري ص١٥٠، ١٥١.
٢ الطبري: ج٣ ص٦٠١، ٦٠٢، البلاذري: ص١٥٠-١٥٢.

<<  <   >  >>