للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن هذه الزعامات، ربطت بين شخص النبي وبين ما حققه للعرب بعامة من مكاسب دينية، واجتماعية، وسياسية غيرت تمامًا حياة العربي، والنظام القبلي الاجتماعي، فقد استبدل الإسلام، منذ بداياته، رابطة الدم برابطة الدين والعقيدة، والغزو والجهاد والعرف بالشريعة، والتمزق القبلي بوحدة الأمة١، وحد من النزاعات القبلية التقليدية من خلال رفع مبدأ الثأر بشكله القبلي، ونقل مسئولية ذلك إلى الجماعة الإسلامية، وشرع الجهاد في سبيل الله بدلًا من القتال من أجل الثأر، أو التسابق على الماء والكلأ، وأطاح فردية القبيلة لقاء فكرة الجماعية التي تستند عليها الأمة، وأرسى قواعد الدولة الإسلامية، وساوى بين المسلمين، ودعا إلى التكافل والتضامن، ونظم المجتمع العربي على نحو يتناسب، وطباع العرب٢، ومع ذلك لم يتمكن من الإنجاز التام، والنهائي لمد نفوذ الدولة الإسلامية الناشئة على سائر أنحاء الجزيرة العربية، وبرهنت حركة الردة عن ضعف هذا الكيان السياسي في الأطراف خاصة، وهشاشة دخول القبائل في الإسلام، وأن تجذر العادات والتقاليد القبلية في النفوس كان أقوى من رابطة الدين.

والحقيقة أن سياسة التوحيد لم تكن قد استكملت، ولم يتجذر الدين إلا بين سكان المدينة، ومكة والطائف، وبعض القبائل القاطنة بجوارهم، ولا تدع المصادر مجالًا للشك في الاتساع الشديد لحركة الردة سواء من الناحية القبلية، أو من الناحية الجغرافية، فلقد خرجت الأكثرية الساحقة للقبائل على حكم المدينة، ولم يبق مواليًا سوى نواة صغيرة جدًا تتألف من القبال التالية: قريش وحلفاؤها التقليديون الذين كانوا يعيشون بالقرب من مكة، الأوس والخزرج وحلفاؤهم التقليديون الذين كانوا يسكنون بالقرب من المدينة، ثقيف في الطائف، فقد ثبتت مزينة وغفار، وجهينة وبلى وأشجع وأسلم وخزاعة؛ على الإسلام، ويذكر بأن هذه القبائل تربطها بمكة، والمدينة مصالح مشتركة، وهي تدخل تقليديًا في تحالف معها، أما قبائل هوازن وبني عامر وسليم، فقد اتخذوا موقفًا متربصًا.

أما سكان المناطق الأخرى في الجزيرة العربية، ولا سيما اليمن وعمان وحضرموت في الجنوب، فلم يكن الدين قد تجذر في نفوس سكانها، ولقد كان إسلامهم سطحيًا ومرحليًا، واستسلامًا للأمر الواقع خشية القتل والسبي، وليس


١ الدوري: مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص٣٧.
٢ سالم، السيد عبد العزيز: تاريخ الدولة العربية ص٤٣٤، ٤٣٥.

<<  <   >  >>