اقتناعًا بالإسلام كعقيدة، ونظام ومنهج١، كما كان وليد ظروف سياسية خاصة أحدثها دخول قريش في الإسلام، ولم يؤد إلى خلق ترابط، ووثاق اجتماعي مادي فيما بينهم، كذلك، كان موقفهم من الإسلام ضعيفًا، إذ إن الإسلام لم ينتشر في هذه المناطق البعيدة عن مكة والمدينة، إلا بعد فتح مكة، وغزوة حنين والطائف، أي بعد العام الثامن للهجرة، وظل نشاط النبي قبل ذلك محصورًا في المنطقة المحيطة بالمدينتين المقدستين، ومعنى ذلك، أن كثيرًا من عرب الأطراف دخلوا في الإسلام، وفي قلوبهم مرض أو شيء من النفاق؛ لأنهم أسلموا مقتدين برؤسائهم الذين تقبلوا سلطة الحكومة الإسلامية في المدينة، وأطاعوا النبي، بعد أن حقق انتصارات كبرى على القوى المعادية له، ولدعوى الإسلام للمحافظة على كيانهم، وإبعاد خطر المسلمين عنه، ولا يدل إرسال الوفود القبلية إلى المدينة لتعلن إسلامها على أن القبائل فهمت، واستوعبت الإسلام وآمنت بتعاليمه، وحرصت على الدخول فيه، وبخاصة أن المدة الزمنية بين دخول هذه القبائل في الإسلام؛ ووفاة النبي، كانت قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أعوام، بالمقارنة مع المدة التي استغرقها استقرار الدين الإسلامي في مكة والمدينة، البالغة عشرين عامًا، كما أن هذه القبائل الضاربة على الأطراف كانت تمر بمرحلة تحول سياسي لتتخلص من الضغط الفارسي الواقع عليها، وبخاصة في اليمن، بالإضافة إلى الصراعات الداخلية، بينها، على النفوذ.
لذلك، تفاوت إيمان هذه القبائل بين القوة، والضعف بشكل عام، ولقد كان النبي يعي ذلك تمامًا، ونزلت بهذه الصدد الكثير من الآيات القرآنية التي توثق هذه الواقعة التاريخية، وهي تتهم الأعراب، وهم الأكثرية المطلقة للعرب آنذاك، بالضعف، والتخاذل والكفر، والنفاق:{الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة: ٩٧، ٩٨] .
نفهم من هذا النص القرآني أن عددًا من القبائل كانت لا تخفي موقفها المتربص من الإسلام، وبالنبي على الرغم من دخولها في الدين الجديد، وولائها ومبايعتها للنبي.
ولعل أكثر الآيات دلالة، وبيانًا على موقف القبائل من الإسلام تلك التي تقول:
١ عاشور، سعيد عبد الفتاح: بحوث في تاريخ الإسلام وحضارته ص٥٦.