للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعدت استمرار هذه الزعامة بعد وفاة النبي كنوع من الوراثة التي لم يألفها العرب، لذلك لم تأخذ بيعة أبي بكر طابعها الإجماعي في أوساط القبائل، فكان لبعضها موقف لا ينسجم تمامًا مع الأسلوب الذي تم بموجبه اختياره كخليفة دون أن يكون لها رأي في هذا الاختيار.

ويرتبط بالعصبية، وما يتولد عنها من تنافس وتحاسد بين القبائل، ما نلاحظه من تسابق في إدعاء النبوة، فظهر المتنبئون في أنحاء مختلفة من الجزيرة العربية، وكانت هذه الظاهرة أحد الأصداء التي أحدثها نجاح النبي عقب فتح مكة، وتوسيع نفوذ الحكومة الإسلامية عبر توحيد مكة والمدينة.

وقد أتى الخطر الأكبر من شخصيتين ادعتا النبوة في حياة النبي:

الأولى: هي المتنبئ عبهلة١ بن كعب، ذو الخمار، المعروف بالأسود العنسي الذي نشر دعوته في اليمن.

والثانية: هي المتنبئ مسيلمة بن حبيب، المعروف بمسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة في بني حنيفة في اليمامة.

ويوضح الاستعراض الذي سنتعرض له في الفصل التالي للحوادث المرتبطة بظهور هاتين الشخصيتين في المركزين الخطيرين المنافسين للمدينة، كيف أنه التقت في هذه الأحداث حركتان مختلفتان.

الحركة الأولى: هي حركة تأسيس تحالفات قبلية على غرر التحالف الإسلامي، وتقليده في الشكل من خلال ظهور المتنبئين.

الحركة الثانية: هي حركة الردة الفعلية، أي نكث القبائل لعهودها التي عقدوها مع النبي في المدينة، وادعائهم بأن هذه العقود قد انتهت بوفاته، فامتنعوا عن دفع الزكاة.

وشاءت طبيعة الأحداث أن تندمج هاتان الحركتان، فكندة مثلًا التي ارتدت فعلًا بعد وفاة النبي التحقت بمركز الأسود العنسي بعد أن انفصلت عن مركز المدينة، والمعروف أن المصادر تدمج هذه الاتجاهات المختلفة في إطار واحد غير مميز، وتسميه الردة مع العلم بأن مسيلمة الكذاب مثلًا لم يعتنق الإسلام، ثم ارتد عنه وادعى النبوة حتى ننعته بالمرتد.

من خلال هذه الرؤية، فإن لحركة الردة أكثر من خلفية لا تبدو بالضرورة متجانسة، ولكنها تضافرت مع بعضها، وأدت إلى تفجير الوضع، وهذا يعني أن الردة بمفهومها


١ وفي رواية: عيهلة "بمثناة تحتية".

<<  <   >  >>