للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوافدين على المدينة، فتعرض عليهم القضايا الهامة على مستوى الأمة الإسلامية، ويناقشونها، أما طريقة انعقاد المجلس، فكان ينادي الصلاة جامعة، وعندما يجتمع الناس يذهب عمر إلى المسجد النبوي، وهو المكان المخصص لانعقاد المجلس، فيصلي ركعتين، ويصعد بعد الصلاة على المنبر، ويلقي خطبة، ثم يقدم القضية التي تحتاج إلى النقاش والبحث.

نذكر من بين القضايا التي ناقشها هذاا لمجلس، قضية توزيع أراضي البلاد المفتوحة كإقطاع على أفراد الجيش، وقد افتتح عم الجلسة بقوله: "إني لم أزعجكم إلا، لأن تشتركوا في أمانتي فيما حملت من أموركم، فإني واحد كأحدكم، ولست أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي"، استمرت جلسات المناقشة عدة أيام كان الناس يدلون برأيهم بحرية وجرأة١، وناقش هذا المجلس كذلك، الوضع على الجبهة العراقية بعد مقتل أبي عبيد الثقفي، إذ هم الخليفة أن يذهب بنفسه٢، فقال العامة: "سر وسر بنا معك"، وأجمع الخاصة على أن يبعث رجلًا من أصحاب رسول الله على رأس الجيش إلى العراق، ويبقى هو في المدينة يمد هذا الرجل، عند ذلك جمع الناس، وقال لهم: "يحق للمسلمين أن يكونوا وأمرهم شورى بينهم، وإني إنما كنت كرجل منكم حتى صرفني ذوو الرأي منكم على الخروج، فقد رأيت أن أقيم، وأن أبعث رجلًا".

وعندما أراد عمر أن يذهب إلى بلاد الشام مع اشتداد وباء طاعون عمواس خرج من المدينة حتى إذا نزل بسرغ٢ لقيه أمراء الجند، فأخبروه بأن الأرض سقيمة، وأن فتك الطاعون شديد، فجمع المهاجرين الأولين، واستشارهم في ما يفعل، أيتابع طريقه أم يعود أدراجه؟. فاختلفوا عليه فمنهم من أشار بالخروج، ومنهم من نصحه بالعودة، فجمع عند ذلك الأنصار واستشارهم، فسلكوا طريق المهاجرين، ثم جمع مهاجرة الفتح من قريش فنصحوه بالعودة، وقالوا له: "ارجع بالناس، فإنه بلاء وفناء"، فقرر عندئذ العودة، وأمر عبد الله بن عباس أن يجمع الناس ليعرض عليهم قراره٣.

وهكذا كان الأمر في ما يتعلق بمرتبات الجند، وترتيب الدواوين وتعيين العمال وحرية التجارة للأجانب، وتحديد الضرائب عليها، وكثير من القضايا من هذا النوع، عرضت على


١ أبو يوسف: كتاب الخراج ص٢١-٢٦.
٢ الطبري: ج٤ ص١٢٣، ١٢٤.
٣ المصدر نفسه: ص٥٨، ٥٩، وسرغ هو أول الحجاز، وآخر الشام بين المغيثة، وتبوك من منازل حاج الشام، الحموي: ج٣ ص٢١١-٢١٢.

<<  <   >  >>