للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحتى يقوي المتنازعون مواقفهم لجأوا إلى الاستعانة بقوى بقوى خارجية غير مكترثين بما يترتب على ذلك من إذلال، وسقوط هيبة الحكم، نذكر منها: استعان بهرام جور "٤٢٠- ٤٣٨م" بالمناذرة١ العرب ليجلسوه على عرش أبيه يزدجر الأول، كما استعان قباذ الأول بالهياطلة٢ في صراعه مع أخيه بلاش، واستعان كسرى الثاني أبرويز "٥٩٠- ٦٢٨م" بالبيزنطيين لمحاربة بهرام جوبين الذي اغتصب العرش الساساني.

وفقدت الدولة الساسانية وحدتها السياسية منذ عام ٦٣١م حين انقسمت على نفسها، ففي الشرق بويع لكسرى الثالث بن الأمير قباذ أخي كسرى الثاني، وفي المدائن، عين الأشراف ورجال الدين بوران دخت بنت كسرى الثاني أبرويز، وقد حكمت سنة وأربعة أشهر قبل أن تخلفها أختها آزرميدخت، وظهر في عهدها القائد رستم بن فرخ هرمزذ كأحد القادة الأقوياء، ويبدو أنه استاء من تولي امرأة عرش الأكاسرة، كما حنق عليها لقتلها والده، فزحف نحو العاصمة، واستولى عليها وعزل الملكة، وسمل عينيها.

وتتابع على الحكم حكام ضعاف مثل هرمز الخامس وكسرى الرابع، لكن لم يكن معترفًا بهما إلا في بعض أجزاء البلاد، ثم تولى عرش الدولة الساسانية أحد عشر ملكًا على مدى أربعة أعوام، كان آخرهم يزدجرد الثالث ابن الأمير شهريار الذي استولى على الحكم بمساعدة القائد رستم٣.

والواقع أن التفكك والضعف بدآ يظهران على جسم الدولة في الأعوام المضطربة، التي تلت موت كسرى الثاني أبرويز في عام ٦٢٨م بفعل السياسية العسكرية التي نفذها كسرى الأول أنوشروان "٥٣١- ٥٧٩م"، فمال التطور شيئًا فشيئًا نحو التسلط العسكري، واستقل كل قائد وحاكم ولاية بإقطاعه، وكأنه وراثي، وبخاصة عندما هوت الأسرة المالكة إلى تدهورها النهائي، وقد كثرت محاولات اغتصاب السلطة


١ المناذرة أو آل نصر أو آل لخم: أمراء الحيرة من العرب، نزحوا من جنوبي الجزيرة العربية على أثر انهيار سد مأرب، واستقروا في أطراف العراق، قريبًا من حدود الدولة الفارسية الساسانية، واستعان الفرس بهم لتحقيق تطلعاتهم السياسية من خلال جعلهم سدًا أمام غارات العرب على الأطراف الفارسية، والتصدي لهجمات البيزنطيين، وحلفائهم الغساسنة على مناطق الحدود بين الدولتين.
٢ الهياطلة: أمة تركية كانت تسكن ولاية طبرستان جنوبي بحر قزوين.
٣ انظر الخبر عن ملوك الفرس، وسني ملكهم في الطبري: ج٢ ص٣٧- ٢٣٤. الفردوسي: الشاهنامة الجزء الثاني.

<<  <   >  >>