للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطبقة السابعة: الشعب، وهم الفلاحون والصناع والرعاة، والتجار وأهل الحرف، تتفاوت الطبقات الاجتماعية في النسب والمنزلة, ويبدو التمييز بينها واضحًا في المركب، والملبس والمسكن والنساء والخدم١، فلكل فرد منزلته ومرتبته، ومكانه المحدد في الجماعة، وحظر الانتقال من طبقة إلى طبقة أعلى منها بوجه عام إلا في حدود ضيقة، على أن هذا الاستثناء لا يطال الارتقاء إلى طبقة رجال الدين، فالموبذ يجب أن يكون ابن موبذ، لاعتقاد أفراد هذه الطبقة أنهم أسرة واحدة لا يجوز لأجنبي أن ينتسب إليها.

ضاق الفرد الفارسي بهذا النظام، فهو يربي أولاده ويرعاهم، حتى إذا شبوا وبدأوا يساعدونه على تحمل أعباء الحياة؛ جمعهم الأشراف ليقدموهم إلى ملك الملوك الذي يقذف بهم في أتون الحروب، ولقد استهان ملك الملوك برؤساء الطبقات الرفيعة، فلم يراع حق الدين والوطن، وربما أجلس عدو البلاء على العرش، كما أن رجال الدين خلعوا لباس التقوى، وألهاهم جمع المال، وفتنوا بالمظاهر، وأذلهم الطمع، وأفسد رسالتهم الحرص على الدنيا، وهم في عداء سافر مع الأشراف يكيد بعضهم لبعض، وكل طائفة تسعى لمصحلتها دون النظر إلى مصلحة المجموع٢.

أفقدت هذه الأوضاع الشاذة ثقة الفارسي بمجتمعه ووطنه، وتزعزع إيمانه بهذا النظام، ولم تقض إصلاحات كسرى الأول أنوشروان على ما هو في نفوس الناس من الشعور بالظلم، والتطلع إلى من يتحدث عن المساواة، وتكافؤ الفرص بين الناس، حتى وجدوا ذلك في الدين الإسلامي.

الوضع الديني: أتخذ الساسانيون، منذ بداية عهدهم، الزرادشتية٣ دينًا رسميًا، ومن خصائص هذا الدين تقديس عناصر الطبيعة، وللشمس عند الساسانيين حرمة عظيمة، غير أن النار أعظم شأنًا، لذلك دخلت كعامل رئيسي في عباداتهم، وبيوت النار عندهم هي مراكز العبادة والتقديس.

يعتقد الزرادشتيون بوجود إله للخير والنور، خالق يسمونه أهورامزدا، وإله للشر، والظلمة يسمونه آهرمان، ولكنه ليس بمستوى أهورامزدا، إنها إذن نحلة تقوم على


١ كريستنسن: ص٣٠٢.
٢ خشاب: ص٨، ٩.
٣ الزرادشتية: ديانة أسسها زرادشت بن يورشب في القرن السادس قبل الميلاد، وتسمى المجوسية؛ لأن قبيلة المجوس الفارسية هي أول من تبع الزرادشتية.

<<  <   >  >>