للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثنوية والنزاع الدائم بين إله الخير وإله الشر، لكن النصر في النهاية سيكون للإله الأول بما يبذله الإنسان من أعمال حسنة للتغلب على روح الشر.

وابتلي الساسانيون بنزاعات دينية بعد ظهور الديانتين المانوية١، والمزدكية٢ بفعل اختلاف فلسفاتها وتعاليمها، وكان تشجيع الأكاسرة لإحدى هذه الديانات يدفع معتنقيها إلى اضطهاد مخالفيهم، وقد أضاع هذا التاجر البلاد حين وضعها في جو مشحون بالنزاعات.

تركيبة الجيش الفارسي:

نحت الدولة الساسانية، منذ بداية حياتها السياسية، منحى توسعيًا؛ بهدف إحياء الإمبراطورية الشرقية التي قضى عليها الإسكندر المقدوني، وقد تطلب ذلك إنشاء جيش منظم وقوي، لذلك أدخل الملك أردشير الأول طوائف الجند التي كانت تتبع صاحب الإقطاع في الجيش النظامي، والمعروف أن الفرسان الدارعين يشكلون القوة الضاربة في الجيش الفارسي، وأن النصر يتوقف على مدى اندفاعهم، وشجاعتهم في القتال، وبخاصة الفرقة المعروفة بالخالدين، وهي مؤلفة من عشرة آلاف فارس يختارون من بين المجلين٣.

وتتخذ الفيلة مكانها خلف الفرسان، وكأنها حصون، وتشكل عامل رعب لخيل العدو، وعامل ثقة لأفراد الجيش الفارسي، كما يحمل عليها أبراج من الخشب مشحونة بالمقاتلين، والسلاح ورماة النبال، وحاملي الرايات، ويقدمونها أحيانًا أمامهم، ويجعلون منها نواة لفرقهم، تلتف حول كل فيل فرقة من الجيش، وإذا ذعر فيل أثناء المعركة، وارتد على جنود الفرس، يبادر الفيال إلى قتله٤.

شكل المشاة مؤخرة الجيش، وهم من أهل القرى، يستدعون إلى الحرب دون


١ المانوية: ظهر ماني في بلاد فارس أيام حكم سابور في أواسط القرن الثالث الميلادي، وادعى النبوة يقوم مذهبه على الثنوية، فمبدأ العالم كونان أحدهما نور والآخر ظلمة، وكل منهما منفصل عن الآخر، فالنور هو العظيم الأول، وهما في صراع دائم، كان ماني متشبعًا بروح النصرانية، لذلك فرض على أتباعه الصوم والرهبنة، والصلاة أربع مرات في اليوم، والزكاة المقدرة بعشر الأموال، والدعاء إلى الحق، وتجنب الكذب والقتل والسرقة، والزنا والبخل والسحر؛ لأن من شأن ذلك الخلاص من الشر.
٢ المزدكية: حركة دينية فارسية ظهرت في عهد كسرى قباذ بن فيروز في أواخر القرن الخامس الميلاي على يد مزدك الذي نادى بالشيوع في الجنس والمال، وعلى المستوى التصوري عدت المزدكية من العقائد الثنوية التي يتقول بصراع النور والظلمة.
٣ كريستنسن: ص١٩٨، ١٩٩.
٤ المرجع نفسه.

<<  <   >  >>