أهل العلم المتساهلين من المتأخرين والمعاصرين خاصة، ما يؤيدون به قولهم، ويقوُّون به صنيعهم، ويدعمون به باطلهم؛ فصار الخطأ غير المقصود عند ذاك العالم الفاضل، قاعدة مطردة عند هؤلاء المبتدعين، تلقَّفُوه، وأقاموا له الحصون لحمايته، والقصور لصيانته؛ فهم بدون هذه الأُغُلوطات وتلك الهفوات الصادرة من هؤلاء الأفاضل، يقفون حائرين عاجزين، مكتوفي الأيدي، لا
يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً!!
***
ووجد ـ في المقابل ـ من يُنكر مبدأ التقوية من أساسه، ولا يعتبر الشواهد والمتابعات، ولا يحتج إلا بما رواه الثقات.
وهؤلاء أيضاً؛ أطلقوا حيث ينبغي أن يقيِّدوا، وصادموا بقولهم هذا النصوص الكثيرة والوفيرة عن أئمة الحديث؛ كأحمد والبخاري والترمذي وغيرهم، الدالة على اعتبار الروايات وجَبْر بعضها ببعض، والانتفاع بالشواهد والمتابعات، والاستدلال بها على حفظ الحديث.
ولعل هؤلاء لما نظروا إلى التساهل الفاحش الواقع فيه الأولون، سعوا إلى الهروب منه، واجتناب ما وقع فيه غيرهم؛ ولكنهم أسرفوا في الهروب، وبالغوا في الاجتناب والبُعد، فجرهم ذلك إلى الغلو، فقابلوا الجفاء بالغلو، والتساهل بالتشدد، والتفريط بالإفراط.
والحق؛ وسط بين الجفاء والغلو؛ يخرج من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشرابين.
فهو؛ إثبات للاعتبار، وإعمال للشواهد والمتابعات، وانتفاع بها في