ومعرفة نكارة الإسناد؛ مما يختص به المحدثون، الحفاظ الناقدون، فلا يعرج على قول غيرهم؛ بخلاف نكارة المتن، فقد يتكلم فيه المحدثون وغيرهم من الفقهاء، أما هذا الباب؛ فهو من أخص علوم الحديث، وأدق مباحث الأسانيد.
فإن أئمة الحديث ونقاده، حيث يحكمون على الإسناد بالصحة والاستقامة، وعدم النكارة والسقامة؛ لا يكتفون بالظاهر من اتصاله وثقة رواته؛ بل لهم نظر ثاقب، وفهم راجح، ورأي صادق، مبني على اعتبار معان في الإسناد، حيث وُجدت فيه، أو
وجد بعضها؛ دعاهم ذلك إلى إنكاره، والحكم عليه بعدم الاستقامة؛ وإن كانت متصلاً برجال ثقات.
وحيث افتُقدت، أو وُجد فيه من المعاني ما يدل على عكس ما تدل عليه المعاني السابقة، من حفظ الحديث وصحته؛ دعاهم ذلك إلى تصحيحه، والحكم عليه بالاستقامة وحفظ الرأي له.
وهذه المعاني؛ هي التي يعبر عنها بعض أهل العلم، كالحافظ ابن حجر، والعلائي، وابن رجب، وغيرهم: بـ "القرائن".
ويقولون (١) : للحفاظ طريق معروفة في الرجوع إلى القرائن في مثل هذا، وإنما يُعول في ذلك على النقاد المطلعين منهم.
ويقولون: والقرائن كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الروايات، بل كل رواية يقوم بها ترجيح خاص، لا يخفى على العالم المتخصص، الممارس الفَطِن، الذي أكثر من النظر في العلل والرجال.
(١) انظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب (٢/٥٨٢) ، و "النكت على كتاب العلل" لابن حجر (٢/٧٧٨ـ٨٧٦) .