للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

درجة بالمحتوى. إن ما يهمه، وما تتوصل إليه العمليات المتبادلة هو تنظيم المعرفة التي يسميها بالتكوين. وبتحديد أكثر: فإن بياجيه اهتمَّ بالكيفية التي تتغيِّر بها العمليات السلوكية استجابةً لمتطلبات المعرفة في تحديد الخواص النوعية لهذه التغيرات، وهو يدرس الخواص التكوينية للسلوك في ظروف مختلفة, ومع أطفال في مختلف مستويات النمو, وبذلك يستطيع أن يستخلص "خريطة" للخواص التكوينية للواجبات التي يؤديها أطفالٌ من مختلف الأعمار. إن هذه المهمة شاقة؛ إذ إنها تتطلَّب تحليلًا بالغ الدقة لمختلف الخواص في مجال المعرفة "أو المثيرات التي تدخلت", ثم يجب على الإنسان أن يفحص الكيفية التي تعدَّل بها هذه الخواص مع نضج الطفل, ومهما يكن من أمره يجب على القارئ أن يفهم أن التكوينات هي حصيلة تكوّن معرفة جديدة، وهي تمثّل في أي نقطة من الزمن الطريقة التي ينظِّم بها الطفل فهمه للعالم ويتمثله.

ج- فكرة الموجز الشكلي:

يذكر فلافيل flavell أن فكرة الموجز "المخطَّط العقلي" schemata, أو الصورة الاحتمالية تلعب دورًا هامًّا في نظرية بياجيه, ولا شكَّ في أن تعريف الموجز الشكلي بأنه نمط فعل يحدث في مناسبة خاصة، لهو مبالغة في تبسيط الأمور. هذا وفي مناقشتنا لأنماط الفعل "في الفصل الخاص بالنمو الحركي بالجزء الثاني من هذا الكتاب" اهتممنا بالتأكيد على أنها تتكوَّن من عدد كبير من السلوكيات المترابطة والتي يبدو أنها تحدث في تتابع ثابت، وإن كانت على الأقل تتشارك عن كثب الواحد بالآخر، وبينما نستطيع أن نتحدث عن عدد من أنماط الفعل، فإننا في نظام بياجيه نستطيع التحدّث عن عدد كبير من الموجزات الشكلية, وعلى ذلك فإنَّ الموجز الشكلي في الواقع يمثِّل نمطًا سلوكيًّا. ولكن إذا كان هذا هو كل ما يمثله، أي: إذا كان مجرَّد اصطلاح وصفيّ، فإنه لن تكون هناك ضرورة بنفس الطريقة التي لا ضرورة بها لمفهوم المرحلة. الواقع أن الموجز الشكلي يدل ليس فقط على تتابع سلوكي, ولكنه أيضًا يدل على تغيُّر مصاحب في التكوينات، أي: إن تنظيمًا جديدًا أو معدّلًا أصبح موجودًا الآن لدى الطفل. مثال ذلك: إن طفلًا قد يكون لديه موجز شكلي للإبصار, أو موجز شكلي للإمساك, أو موجز شكلي للوصول، ومع أنه في وقتٍ ما من فترة الطفولة الحديثة، تكون هذه الموجزات مستقلة, إلَّا أنها تنتهي بالتكامل، حتى يصبح مثلًا بالإمكان أن نتكلَّم عن موجز شكلي للإمساك بالشيء. وواضح أن هذا الاصطلاح وصفي, ولكنه أيضًا يعكس اكتساب الطفل لشكلٍ جديد من التنظيم المعرفي أو التكوين المعرفي، أي: تكامل ثلاثة موجزات في موجز شكلي واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>