للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أقدم الموضوعات التي شغلت علماء النفس هي ما إذا كان السلوك الإنساني والسلوك الحيواني غزيزيين أو متعلمين، فالسلوك الغريزي يكون موروثا وليس متعلَّمًا، وذلك من خلال التجربة أو المحاكاة، وقد يكون أبسط أنواع هذا السلوك هو طرف العين استجابة لموقف مثير, والكائنات البشرية تبدي الكثير من مثل هذا الانعكاس الذي يبدو متكيفًا. إن المفهوم القديم للغريزة كقوة داخلية تحددها الجينات، ومستقلة عن المثيرات البيئية "تعلم"، قد غضَّ النظر عنه بدرجة كبيرة بسبب هذه الأنماط السلوكية, ولا يقبل علماء الصفات الإنسانية المعاصرين بعض الآراء القائلة بأن الوراثة تحدد نظامًا جسميًّا سابق البرمجة يتفاعل مع مجموعة كبيرة من المثيرات البيئية, وبعبارة أخرى: فإن البيئة تتفاعل مع الإمكانات الوراثية لإنتاج تنظيم لكل نظام استجابة، وفي الكائنات البشرية نجد أن البيئة لها دور قوي على الإمكانات الوراثية، وبالتالي تلعب دورًا أكثر نشاطًا في تحديد أنماط الفعل. الأمر الذي قد يكون راجعًا إلى زيادة تنوع هذه البيئة بالمقارنة ببقية الحيوانات الأدنى.

صفات الاستجابات غير المتعلمة:

إن المفتاح لفهم السلوك الفطري هو أن شكله يتجسَّم ويظهر حتَّى ولو أتيحت للتركيب العضوي الفرصة لملاحظة الكثير الذي يظهر السلوك أو يقابله, وأنماط السلوك التي تتفق وهذا المعيار تسمَّى بأنماط الفعل الثابت fixed action patterns، وأنماط السلوك الغريزي ثابتة بقدر ثبات هيئة الأنواع؛ وحيث إن التركيب العضوي لا يستطيع البقاء إذ كان عليه أن يستجيب دون تمييز لكل المثيرات في بيئته, فهو يجب ألّا يستجيب إلّا لعدد منها، فما الذي يحدد أي المثيرات هو الذي يستوجب الفعل الثابت: هل هو التعلُّم أو آلية فطرية؟

إن الجواب طبقًا لآراء علماء الصفات الإنسانية هو أن كلًّا من المثير الفطري والمتعلَّم يمكن أن يولد استجابة معينة ولا يستجيب لكل المثيرات البيئية الممكنة, ومن المعتقد أن هذه الآليات تعمل كمستقبل للمثيرات الرئيسية، وهي بالضرورة متكيفة مع العالم كما هو، وبذلك لا يستجيب إلّا للمثيرات التي لا بُدَّ وأن تتسم بها مواقف بيولوجية معينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>