قبله شيء، ويبقى إلى الأبد فليس بعده شيء، ويكون علمه محيطا بكل شيء، ورحمته وسعت كل شيء، وقوته غالبة على كل شيء، ويكون منزها عن أي نقص في حكمته، أو عيب في عدالته، ويكون قادرا ويكون مشرعا، حاكما على الإطلاق، واهبا للحياة ومهيئا لأسبابها ووسائلها، ويكون مالكا لكل قوة من قوى النفع أو الضرر، ويكون كل من سواه محتاجا لعطائه، فقيرا إلى حفظه ورعايته، ويكون إليه مرجع كل مخلوق، ويكون هو محاسبا ومجازيا لكل من سواه".
ثم إن القرآن بعد بيانه هذا التصور الصحيح الكامل الواضح للألوهية، يدل بأقوى ما يكون من الكلمات، وأوقع ما يكون من الأدلة العقلية المنطقية، وأساليب البيان، على "أن هذا العالم ليس فيه شيء، أو قوة يصدق عليها هذا التصور للألوهية، إذ ليست كل موجودات العالم إلا مسخرة محتاجة لغيرها، باقية حينا وفانية حينا آخر، غير قادرة على دفع الضرر عن نفسها، فضلا عن أن تجلب النفع، أو الضرر إلى غيرها، وليس المصدر لأفعالها، وتأثيراتها موجودا في داخل ذاتها، وإنما هي تستمد قوتها للبقاء والفعل، والتأثير من غيرها".
"وبعد هذا النفي، فإن القرآن لا يثبت الألوهية إلا لذات واحدة هي ذات الله، ويطالب الإنسان بألا يؤمن إلا بالله وحده، ولا يسجد إلا لله، ولا يعظم إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ويعلم علم اليقين أنه راجع إليه، ومحاسب بين يديه لا محالة، وأنه لا يتوقف حسن العاقبة، أو سوءها إلا على قضاء الله".
ولقد آمن العرب ومن يليهم بهذه المعاني، وغيروا سلوكهم، وربوا أنفسهم على مقتضاها، فبدل الله بهم الأرض غير الأرض التي كانت، والعالم الذي فتحوه غير العالم الذي كان من قبلهم، فأخرجوا البشرية من ظلم الملوك، والطواغيت إلى عدالة الله وشريعته، ومن جور الأديان وخرافاتها، إلى سماحة الإسلام وسمو تعاليمه، وجديته، وإليك سر المعجزة التي أجراها الله على يد هؤلاء الموحدين: معجزة الفتح الإسلامي، وتثبيت حضارته في أكبر رقعة عرفتها حضارة في التاريخ، ولأطول مدة سجلتها أقلام المؤرخين، هذا السر يتجلى في: